فصل: فصل: (من أفسدت نكاح نفسها برضاع قبل الدخول)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


كِتَابُ‏:‏ الْعِدَدِ

بِكَسْرِ الْعَيْنِ ‏(‏وَاحِدُهَا عِدَّةٌ وَهِيَ‏)‏ مَأْخُوذَةٌ ‏(‏مِنْ الْعَدَدِ‏)‏؛ لِأَنَّ أَزْمِنَةَ الْعِدَّةِ مَحْصُورَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِعَدَدِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ كَالْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ‏.‏

وَشَرْعًا ‏(‏التَّرَبُّصُ الْمَحْدُودُ شَرْعًا‏)‏ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْقَصْدُ مِنْهَا اسْتِبْرَاءُ رَحِمِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْحَمْلِ لِئَلَّا يَطَأَهَا غَيْرُ الْمُفَارِقِ لَهَا قَبْلَ الْعِلْمِ فَيَحْصُلَ الِاشْتِبَاهُ وَتَضِيعُ الْأَنْسَابُ، وَالْعِدَّةُ إمَّا لِمَعْنًى مَحْضٍ كَالْحَامِلِ، أَوْ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ لَهُمَا وَالْمَعْنَى أَغْلَبُ كَالْمَوْطُوءَةِ الَّتِي يُمْكِنُ حَمْلُهَا مِمَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ لَهُمَا وَالتَّعَبُّدُ أَغْلَبُ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُمْكِنِ حَمْلُهَا إذَا مَضَتْ مُدَّةُ أَقْرَائِهَا فِي أَثْنَاءِ الشُّهُورِ ‏(‏وَلَا عِدَّةَ فِي فُرْقَةِ‏)‏ زَوْجٍ ‏(‏حَيٍّ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ‏)‏ قَبْلَ ‏(‏خَلْوَةٍ وَلَا‏)‏ عِدَّةَ ‏(‏لِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}‏؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِدَّةِ وُجُوبُهَا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ هُنَا‏.‏

‏(‏وَشُرِطَ‏)‏ فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ ‏(‏لِوَطْءٍ كَوْنُهَا‏)‏ أَيْ الْمَوْطُوءَةِ ‏(‏يُوطَأُ مِثْلُهَا وَكَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْوَاطِئِ ‏(‏يُلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ‏)‏ فَإِنْ وُطِئَتْ بِنْتٌ دُونَ تِسْعٍ أَوْ وَطِئَ ابْنٌ دُونَ عَشْرٍ فَلَا عِدَّةَ لِذَلِكَ الْوَطْءِ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ ‏(‏وَ‏)‏ شُرِطَ فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ ‏(‏لِخَلْوَةٍ طَوَاعِيَتُهَا‏)‏ فَإِنْ خَلَا بِهَا مُكْرَهَةً عَلَى الْخَلْوَةِ فَلَا عِدَّةَ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ مَظِنَّتُهُ وَلَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا مَعَ التَّمْكِينِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي خَلْوَةٍ كَوْنُهَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَكَوْنُهُ يُلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ كَمَا فِي الْوَطْءِ وَأَوْلَى ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ لِخَلْوَةٍ ‏(‏عِلْمُهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏بِهَا‏)‏ فَلَوْ خَلَا بِهَا أَعْمَى لَا يُبْصِرُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ تُرِكَتْ بِمَخْدَعٍ مِنْ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا الْبَصِيرُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الزَّوْجُ فَلَا عِدَّةَ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ وَحَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْخَلْوَةِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ لِقَضَاءِ الْخُلَفَاءِ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّدَاقِ ‏(‏وَلَوْ مَعَ مَانِعٍ‏)‏ شَرْعِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ ‏(‏كَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَجَبٍّ وَعُنَّةٍ وَرَتْقٍ‏)‏ إنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِصَابَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا‏.‏

‏(‏وَتَلْزَمُ‏)‏ الْعِدَّةُ ‏(‏لِوَفَاةٍ مُطْلَقًا‏)‏ كَبِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ صَغِيرًا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ أَوْ لَا خَلَا بِهَا أَوْ لَا كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏‏.‏

‏(‏وَلَا فَرْقَ فِي عِدَّةٍ‏)‏ وَجَبَتْ بِدُونِ وَطْءٍ ‏(‏بَيْنَ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ‏)‏ نَصًّا أَيْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَشْبَهَ الصَّحِيحَ فَتَجِبُ لِوَفَاةٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ‏.‏

‏(‏وَلَا عِدَّةَ فِي‏)‏ نِكَاحٍ ‏(‏بَاطِلٍ‏)‏ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ كَمُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ ‏(‏إلَّا بِوَطْءٍ‏)‏؛ لِأَنَّ وُجُودَ صُورَتِهِ كَعَدَمِهَا فَإِنْ وَطِئَ لَزِمَتْ الْعِدَّةُ كَالزَّانِيَةِ‏.‏

‏(‏وَالْمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ‏)‏ إحْدَاهُنَّ ‏(‏الْحَامِلُ وَعِدَّتُهَا مِنْ مَوْتٍ وَغَيْرِهِ‏)‏ كَطَلَاقٍ وَفَسْخٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً ‏(‏إلَى وَضْعِ كُلِّ الْوَلَدِ‏)‏ إنْ كَانَ الْحَمْلُ وَلَدًا وَاحِدًا ‏(‏أَوْ‏)‏ وَضْعِ ‏(‏الْأَخِيرِ‏.‏

مِنْ عَدَدٍ‏)‏ إنْ كَانَتْ حَامِلًا بِعَدَدٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً طَلَاقًا كَانَتْ الْفُرْقَةُ أَوْ فَسْخًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ وَبَقَاءُ بَعْضِ الْحَمْلِ يُوجِبُ بَقَاءَ بَعْضِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا بَلْ بَعْضَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَاتَ بِبَطْنِهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، حَيْثُ تَجِبُ لِلْحَامِلِ، لِمَا يَأْتِي أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لِوُجُوبِهَا ‏(‏وَلَا تَنْقَضِي‏)‏ عِدَّةُ حَامِلٍ ‏(‏إلَّا بِ‏)‏ وَضْعِ ‏(‏مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ‏)‏ وَهُوَ مَا تَبِينُ فِيهِ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَلَوْ خَفِيًّا ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ‏)‏ الْحَمْلُ ‏(‏لِصِغَرِهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ دُونَ عَشْرٍ ‏(‏أَوْ لِكَوْنِهِ خَصِيًّا مَجْبُوبًا أَوْ لِوِلَادَتِهَا لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا وَنَحْوَهُ‏)‏ كَاَلَّذِي وَلَدَتْهُ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا ‏(‏وَيَعِيشُ‏)‏ مَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا ‏(‏لَمْ تَنْقَضِ بِهِ‏)‏ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا لِانْتِفَائِهِ عَنْهُ يَقِينًا‏.‏

‏(‏وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلٍ‏)‏ يَعْنِي ‏(‏سِتَّةَ أَشْهُرٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا‏}‏ مَعَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ‏}‏ وَالْفِصَالُ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ بِذَلِكَ عَنْ أُمِّهِ وَإِذَا سَقَطَ حَوْلَانِ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَقِيَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ هِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ ‏"‏ أَنَّهُ رُفِعَ إلَى عُمَرَ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ‏}‏ وَقَالَ ‏"‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا‏}‏ ‏"‏ فَحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَلَاثُونَ شَهْرًا فَخَلَّى عُمَرُ سَبِيلَهَا فَوَلَدَتْ مَرَّةً أُخْرَى لِذَلِكَ الْحَدِّ ‏"‏‏.‏

وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ ‏(‏وَغَالِبُهَا‏)‏ أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ ‏(‏تِسْعَةُ‏)‏ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَلِدْنَ كَذَلِكَ ‏(‏وَأَكْثَرُهَا‏)‏ أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ ‏(‏أَرْبَعُ سِنِينَ‏)‏؛ لِأَنَّ مَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ شَرْعًا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ نِسَاءُ بَنِي عَجْلَانِ يَحْمِلْنَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَامْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ حَمَلَتْ ثَلَاثَ بُطُونٍ كُلُّ دَفْعَةٍ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ ‏(‏وَأَقَلُّ مُدَّةِ تَبَيُّنِ خَلْقِ‏)‏ ‏(‏وَلَدٍ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا‏)‏ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ ‏{‏يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ نُطْفَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ‏}‏ الْخَبَرَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏"‏ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ ابْتِدَاءً خَلْقُ آدَمِيٍّ بِكَوْنِهِ مُضْغَةً؛ لِأَنَّ‏.‏

الْمَنِيَّ قَدْ لَا يَنْعَقِدُ وَالْعَلَقَةُ قَدْ تَكُونُ دَمًا انْحَدَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ وَأَمَّا الْمُضْغَةُ فَالظَّاهِرُ كَوْنُهَا ابْتِدَاءً خَلْقَ آدَمِيٍّ‏.‏

‏(‏الثَّانِيَة‏)‏ مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ‏(‏الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِلَا حَمْلٍ مِنْهُ‏)‏ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحَامِلِ مِنْهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْحَمْلُ ‏(‏مِنْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجُ الْمُتَوَفَّى كَأَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَحَمَلَتْ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ لِلشُّبْهَةِ و‏(‏اعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ بَعْدَ وَضْعِ‏)‏ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِآدَمِيَّيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدَّيْنَيْنِ وَتَجِبُ عِدَّةُ وَفَاةٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُتَوَفَّى ‏(‏لَمْ يُولَدْ لِمِثْلِهِ أَوْ‏)‏ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ‏(‏لَمْ يُوطَأْ مِثْلُهَا أَوْ‏)‏ كَانَ مَوْتُهُ ‏(‏قَبْلَ خَلْوَةٍ‏)‏ وَتَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَعِدَّةُ حُرَّةٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ‏)‏ لِلْآيَةِ، وَالنَّهَارُ تَبَعُ اللَّيْلِ؛ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ الزَّوْجُ تَكْذِيبَهَا أَوْ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَيَلْحَقُ الْمَيِّتَ نَسَبُهُ وَلَيْسَ مَنْ يَنْفِيهِ فَاحْتِيطَ بِإِيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَالْمَبِيتِ بِمَنْزِلِهَا حِفْظًا لَهَا وَسَوَاءٌ وُجِدَ فِيهَا الْحَيْضُ أَوْ لَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ عِدَّةُ ‏(‏أَمَةٍ‏)‏ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا ‏(‏نِصْفُهَا‏)‏ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَنْصِيفِ عِدَّةِ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ فَكَذَا فِي عِدَّةِ الْمَوْتِ وَكَالْحَدِّ ‏(‏وَ‏)‏ عِدَّةُ ‏(‏مُنَصَّفَةٍ‏)‏ أَيْ مَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ ‏(‏ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ‏)‏ بِلَيَالِيِهَا وَمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ شَهْرَانِ وَسَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةٍ مُرْتَدٌّ‏)‏ بِأَنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ تَلَافِي النِّكَاحِ بِإِسْلَامِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏زَوْجُ كَافِرَةٍ أَسْلَمَتْ‏)‏ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَاتَ ‏(‏زَوْجُ‏)‏ مُطَلَّقَةٍ ‏(‏رَجْعِيَّةٍ‏)‏ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ‏(‏سَقَطَتْ‏)‏ عِدَّةُ طَلَاقٍ ‏(‏وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَإِيلَاؤُهُ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةٍ مَنْ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ لَمْ تَنْتَقِلْ‏)‏ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا وَالتَّوَارُثِ وَلُحُوقِهَا طَلَاقَهُ وَنَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وَتَعْتَدُّ مَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ‏)‏ الْمَخُوفِ فِرَارًا ‏(‏الْأَطْوَلِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَمِنْ عِدَّةِ طَلَاقٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ فَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَالرَّجْعِيَّةِ وَمُطَلَّقَةٌ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَيَنْدَرِجُ أَقَلُّهُمَا فِي الْأَكْثَرِ ‏(‏مَا لَمْ تَكُنْ‏)‏ الْمُبَانَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ‏(‏أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً‏)‏ وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَكُنْ ‏(‏مَنْ جَاءَتْ الْبَيْنُونَةُ مِنْ قِبَلِهَا‏)‏ بِأَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ ‏(‏فَ‏)‏ تَعْتَدُّ ‏(‏لِطَلَاقٍ لَا غَيْرُ‏)‏ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِعَدَمِ إرْثِهَا مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَلَا تَعْتَدُّ لِمَوْتٍ مَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الْمَوْتِ بِحَيْضٍ أَوْ شُهُورٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ ‏(‏وَلَوْ وَرِثَتْ‏)‏ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا عِدَّةَ لِمَوْتِهِ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَيَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ‏.‏

‏(‏وَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً‏)‏ مِنْ نِسَائِهِ ‏(‏وَنَسِيَهَا أَوْ‏)‏ طَلَّقَ ‏(‏مُبْهَمَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ قُرْعَةٍ اعْتَدَّ كُلُّ نِسَائِهِ سِوَى حَامِلٍ الْأَطْوَلِ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ مِنْ عِدَّةِ طَلَاقٍ وَوَفَاةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً أَوْ مُطَلَّقَةً فَاحْتِيطَ لِلْعِدَّةِ، وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ارْتَابَتْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَمَنَ تَرَبُّصِهَا‏)‏ أَيْ عِدَّتِهَا ‏(‏أَوْ بَعْدَهُ بِأَمَارَةِ حَمْلٍ كَحَرَكَةٍ وَانْتِفَاخِ بَطْنٍ أَوْ رَفْعِ حَيْضٍ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا‏)‏ وَلَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ ‏(‏حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ‏)‏ لِلشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ، وَزَوَالُ الرِّيبَةِ انْقِطَاعُ الْحَرَكَةِ، وَزَوَالُ الِانْتِفَاخِ أَوْ عَوْدُ الْحَيْضِ أَوْ مُضِيُّ زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَامِلًا‏.‏

‏(‏وَإِنْ ظَهَرَتْ‏)‏ الرِّيبَةُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ بَعْدَ نِكَاحِهَا ‏(‏دَخَلَ بِهَا‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏أَوْ لَا لَمْ يَفْسُدْ‏)‏ النِّكَاحُ بِظُهُورِ الرِّيبَةِ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ عَلَى يَقِينِ النِّكَاحِ فَلَا يُزِيلُهُ ‏(‏وَلَمْ يَحِلَّ‏)‏ لِزَوْجِهَا ‏(‏وَطْؤُهَا حَتَّى تَزُولَ‏)‏ الرِّيبَةُ لِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا‏.‏

‏(‏وَمَتَى وَلَدَتْ‏)‏ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا وَتَزَوَّجَهَا ‏(‏لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ عَقْدٍ‏)‏ عَلَيْهَا وَعَاشَ الْوَلَدُ ‏(‏تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ‏)‏ أَيْ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَحِقَ بِالزَّوْجِ الثَّانِي، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ‏.‏

‏(‏الثَّالِثَةُ‏)‏ مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ‏(‏ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ‏)‏ بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ خَلْوَةٍ ‏(‏وَلَوْ بِطَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ‏)‏ إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ‏(‏فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ وَمُبَعَّضَةٌ‏)‏ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً ‏(‏بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْقُرُوءُ ‏(‏الْحَيْضُ‏)‏‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ لِحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏إذَا أَتَى قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي وَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُعْهَدْ فِي لِسَانِهِ اسْتِعْمَالُ الْقُرْءِ بِمَعْنَى الطُّهْرِ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْقُرْءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَعْتَدُّ ‏(‏غَيْرُهُمَا‏)‏ أَيْ الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَهِيَ الْأَمَةُ ‏(‏بِقُرْأَيْنِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏قُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ‏}‏ ‏"‏ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَلَمْ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا كَحَدِّهَا إلَّا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَبَعَّضُ ‏(‏لَيْسَ الطُّهْرُ عِدَّةً‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَلَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ طَلُقَتْ فِيهَا‏)‏ بَلْ تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ قَالَ فِي الشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏(‏وَلَا تَحِلُّ‏)‏ مُطَلَّقَةٌ ‏(‏لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْمُطَلِّقِ ‏(‏إذَا انْقَطَعَ دَمُ‏)‏ الْحَيْضَةِ ‏(‏الْأَخِيرَةِ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ فِي قَوْلِ أَكَابِرِ‏)‏ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ؛ وَلِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ حَرَامٌ لِوُجُودِ أَثَرِ الْحَيْضِ فَلَمَّا مُنِعَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ كَمَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ وَهُوَ النِّكَاحُ ‏(‏وَتَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ‏)‏ مِنْ التَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَصِحَّةِ اللِّعَانِ وَانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا ‏(‏بِانْقِطَاعِهِ‏)‏ أَيْ دَمِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ لَا أَثَرَ فِيهَا لِلِاغْتِسَالِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْوَطْءُ‏.‏

‏(‏وَلَا تُحْسَبُ مُدَّةُ نِفَاسٍ لِمُطَلَّقَةٍ بَعْدَ وَضْعٍ‏)‏ وَلَوْ عَقِبَهُ فَلَا تُحْسَبُ بِحَيْضَةٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ حِيَضٍ كَامِلَةٍ لِلْآيَةِ‏.‏

‏(‏الرَّابِعَةُ‏)‏ مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ‏(‏مَنْ لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏ أَيْ كَذَلِكَ ‏(‏مِنْ وَقْتِهَا‏)‏ أَيْ الْفُرْقَةِ فَإِنْ فَارَقَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ اعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ تَعْتَدُّ ‏(‏أَمَةٌ‏)‏ لَمْ تَحِضْ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏بِشَهْرَيْنِ‏)‏ نَصًّا وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ ‏(‏عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَتَانِ وَلَوْ لَمْ تَحِضْ كَانَ عِدَّتُهَا شَهْرَيْنِ‏)‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِيَكُونَ الْبَدَلُ كَالْمُبْدَلِ وَلِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً ‏(‏وَ‏)‏ تَعْتَدُّ ‏(‏مُبَعَّضَةٌ‏)‏ لَمْ تَحِضْ لِذَلِكَ ‏(‏بِالْحِسَابِ‏)‏ فَتَزِيدُ عَلَى الشَّهْرَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِقَدْرِ مَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَنِصْفُ شَهْرٍ وَمَنْ ثُلُثَاهَا حُرَّانِ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٌ وَمُدَبَّرَةٌ فِي عِدَّةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَكَذَا مُعَلَّقٌ عِتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا‏.‏

‏(‏وَعِدَّةُ بَالِغَةٍ لَمْ تَرَ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا‏)‏ كَآيِسَةٍ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ ‏"‏ ‏{‏وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏ ‏"‏ ‏(‏وَ‏)‏ عِدَّةُ ‏(‏مُسْتَحَاضَةٍ نَاسِيَةٍ لِوَقْتِ حَيْضِهَا أَوْ‏)‏ مُسْتَحَاضَةٍ ‏(‏مُبْتَدَأَةٍ كَآيِسَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَقْتَ حَيْضِهِمَا وَالْغَالِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً وَيَطْهُرْنَ بَاقِيَهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ عَلِمَتْ أَنَّ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ‏)‏ يَوْمًا ‏(‏مَثَلًا‏)‏ وَاسْتُحِيضَتْ وَنَسِيَتْ وَقْتَ حَيْضِهَا ‏(‏فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ زَمَنٌ فِيهِ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِدُونِ ذَلِكَ ‏(‏وَمَنْ لَهَا‏)‏ مِنْ الْمُسْتَحَاضَاتِ ‏(‏عَادَةٌ‏)‏ عَمِلَتْ بِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ لَهَا ‏(‏تَمْيِيزٌ عَمِلَتْ بِهِ‏)‏ إنْ صَلَحَ حَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ حَاضَتْ صَغِيرَةٌ‏)‏ مُفَارَقَةٌ فِي الْحَيَاةِ ‏(‏فِي‏)‏ أَثْنَاءِ ‏(‏عِدَّتِهَا اسْتَأْنَفَتْهَا‏)‏ أَيْ الْعِدَّةَ ‏(‏بِالْقُرْءِ‏)‏ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ لِعَدَمِهَا فَإِذَا وُجِدَ الْمُبْدَلُ بَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِعَدَمِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ يَئِسَتْ فِي‏)‏ أَثْنَاءِ ‏(‏عِدَّةِ أَقْرَاءٍ‏)‏ بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ فِيهَا وَقَدْ حَاضَتْ بَعْضَ أَقْرَائِهَا أَوْ لَمْ تَحِضْ ‏(‏ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ آيِسَةٍ‏)‏ بِالشُّهُورِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ آيِسَةٌ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا حَاضَتْهُ قَبْلَ حَيْضَتِهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ عَتَقَتْ مُعْتَدَّةٌ‏)‏ فِي عِدَّتِهَا ‏(‏أَتَمَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تُوجَدْ فِي الزَّوْجِيَّةِ ‏(‏إلَّا الرَّجْعِيَّةَ فَتُتَمِّمُ عِدَّةَ حُرَّةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ‏.‏

‏(‏الْخَامِسَةُ‏)‏ مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ‏(‏مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَدْرِ سَبَبَهُ فَتَعْتَدُّ لِلْحَمْلِ غَالِبَ مُدَّتِهِ‏)‏ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِيُعْلَمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا ‏(‏ثُمَّ تَعْتَدُّ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ ‏(‏كَآيِسَةٍ عَلَى مَا فُصِّلَ‏)‏ آنِفًا فِي الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَالْأَمَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذَا قَضَاءُ عُمَرَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُنْكِرُهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ عَلِمْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِدَّةِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ إمَّا بِالصِّغَرِ أَوْ الْإِيَاسِ وَهُنَا لِمَا احْتَمَلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْإِيَاسِ اُعْتُبِرَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَمْلِ بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الِانْقِطَاعِ لِلْإِيَاسِ فَوَجَبَتْ عِدَّتُهُ عِنْدَ تَعْيِينِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ الْإِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْإِيَاسَ طَرَأَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَا تَنْقَضِي‏)‏ الْعِدَّةُ ‏(‏بِعَوْدِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ‏)‏ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَالصَّغِيرَةِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَحِيضُ ‏(‏وَإِنْ عَلِمَتْ‏)‏ مُعْتَدَّةٌ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ‏(‏مَا رَفَعَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ رِضَاعٍ وَنَحْوِهِ فَلَا تَزَالُ‏)‏ فِي عِدَّةٍ ‏(‏حَتَّى يَعُودَ‏)‏ حَيْضُهَا ‏(‏فَتَعْتَدُّ بِهِ‏)‏ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِعَدَمِ إيَاسِهَا مِنْ الْحَيْضِ فَتَنَاوَلَهَا عُمُومُ ‏"‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ ‏"‏ كَمَا لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ وَفَّيْنَ حَيْضَتَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ حَتَّى ‏(‏تَصِيرَ آيِسَةً‏)‏ أَيْ تَبْلُغُ سِنَّ الْإِيَاسِ ‏(‏فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا‏)‏ أَيْ الْآيِسَةِ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ قَوْلُ زَوْجٍ‏)‏ اخْتَلَفَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ فِي وَقْتِ طَلَاقٍ ‏(‏أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ‏)‏ إلَّا بَعْدَ ‏(‏وِلَادَةٍ أَوْ‏)‏ إلَّا فِي ‏(‏وَقْتِ كَذَا‏)‏ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ فَكَذَا فِي وَقْتِهِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْأَصْلُ‏.‏

‏(‏لِلسَّادِسَةِ‏)‏ مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ‏(‏امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ‏)‏ أَيْ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَلَمْ تَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَلَا مَوْتَهُ ‏(‏فَتَتَرَبَّصُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ مَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِهِ‏)‏ وَهُوَ تَمَامُ تِسْعِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةَ، وَأَرْبَعُ سِنِينَ مُنْذُ فُقِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ الْهَلَاكَ كَالْمَفْقُودِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَسَاوَتْ الْأَمَةُ هُنَا الْحُرَّةَ؛ لِأَنَّ تَرَبُّصَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِيُعْلَمَ حَالُهُ مِنْ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ زَوْجَتِهِ ‏(‏ثُمَّ تَعْتَدُّ‏)‏ فِي الْحَالَيْنِ ‏(‏لِلْوَفَاةِ‏)‏ الْحُرَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَالْأَمَةُ نِصْفَ ذَلِكَ ‏(‏وَلَا تَفْتَقِرُ‏)‏ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ فِي ذَلِكَ التَّرَبُّصِ ‏(‏إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تَعْقُبُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِمَوْتِهِ وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَفْتَقِرُ أَيْضًا ‏(‏إلَى طَلَاقِ وَلِيِّ زَوْجِهَا بَعْدَ اعْتِدَادِهَا‏)‏ لِوَفَاةٍ لِتَعْتَدَّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِوَلِيِّهِ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَلِحُكْمِنَا عَلَيْهِمَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَا تُجَامِعُهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَتْ مَوْتَهُ ‏(‏وَيَنْفُذُ حُكْمُ‏)‏ حَاكِمٍ بِالْفُرْقَةِ ظَاهِرًا فَقَطْ بِحَيْثُ إنَّ حُكْمَهُ بِالْفُرْقَةِ ‏(‏لَا يَمْنَعُ‏)‏ وُقُوعَ ‏(‏طَلَاقِ الْمَفْقُودِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْفُرْقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ فَإِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا فُرْقَةَ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ كَاذِبَةٌ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ‏.‏

‏(‏وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ‏)‏ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ ‏(‏بِتَفْرِيقِهِ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمِ ‏(‏أَوْ بِتَزْوِيجِهَا‏)‏ أَيْ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفُرْقَةِ لِإِسْقَاطِهَا نَفَقَتَهَا بِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ نِكَاحِهِ فَإِنْ قَدِمَ وَاخْتَارَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَعَادَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ الرَّدِّ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا جَمِيعَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ وَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَ حَيًّا مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ ضَرَبَ لَهَا الْحَاكِمُ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِيهَا لَا فِي الْعِدَّةِ‏.‏

‏(‏مَنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَا ذُكِرَ‏)‏ مِنْ التَّرَبُّصِ الْمَذْكُورِ وَالِاعْتِدَادِ بَعْدَهُ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ نِكَاحُهَا ‏(‏وَلَوْ بَانَ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْمَفْقُودَ ‏(‏كَانَ طَلَّقَ‏)‏ وَأَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَانَ أَنَّهُ كَانَ ‏(‏مَيِّتًا‏)‏ وَأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ انْقَضَتْ ‏(‏حِينَ التَّزْوِيجِ‏)‏ أَيْ قَبْلَهُ لِتَزَوُّجِهَا فِي مُدَّةٍ مَنَعَهَا الشَّرْعُ النِّكَاحَ فِيهَا أَشْبَهَتْ الْمُعْتَدَّةَ وَالْمُرْتَابَةَ قَبْلَ زَوَالِ رِيبَتِهَا ‏(‏وَمَنْ تَزَوَّجَتْ بِشَرْطِهِ‏)‏ أَيْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ السَّابِقِ وَالْعِدَّةِ ‏(‏ثُمَّ قَدِمَ‏)‏ زَوْجُهَا ‏(‏قَبْلَ وَطْءِ‏)‏ الزَّوْجِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ دَفَعَ إلَيْهِ مَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ و‏(‏رُدَّتْ إلَى قَادِمٍ‏)‏؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِقُدُومِهِ بُطْلَانَ نِكَاحِ الثَّانِي وَلَا مَانِعَ مِنْ الرَّدِّ فَتُرَدُّ إلَيْهِ لِبَقَاءِ نِكَاحِهِ‏.‏

‏(‏وَيُخَيَّرُ‏)‏ الْمَفْقُودُ ‏(‏إنْ وَطِئَ الزَّوْجُ الثَّانِي‏)‏ قَبْلَ قُدُومِهِ ‏(‏بَيْنَ أَخْذِهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ‏)‏ لِبَقَائِهِ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْ الثَّانِي وَيَطَأْهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ عِدَّتِهِ‏)‏ أَيْ الثَّانِي ‏(‏وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَهُ‏)‏ أَيْ الثَّانِي ‏(‏بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ‏)‏ لِلثَّانِي لِصِحَّةِ عَقْدِهِ ظَاهِرًا ‏(‏قَالَ الْمُنَقِّحُ‏:‏ قُلْت الْأَصَحُّ بِعَقْدٍ انْتَهَى‏)‏ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَا‏:‏ ‏"‏ إنْ جَاءَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَهُ هُوَ ‏"‏ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَرَوَيَا مَعْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ ثَمَانِيَةِ وُجُوهٍ وَقَضَى بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَوْلَاةٍ لَهُمْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ لِلثَّانِي لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ عَقْدِهِ بِمَجِيءِ الْأَوَّلِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ زَوْجَةَ إنْسَانٍ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ‏.‏

وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ قُلْنَا يَحْتَاجُ الثَّانِي عَقْدًا جَدِيدًا طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ لِذَلِكَ‏.‏

قُلْتُ فَعَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ الْعَقْدِ بَعْدَ طَلَاقِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ‏(‏وَيَأْخُذُ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏الْأَوَّلُ قَدْرَ الصَّدَاقِ‏)‏ الَّذِي أَعْطَاهَا إيَّاهُ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي إذَا تَرَكَهَا لَهُ، لِقَضَاءِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ إلَيْهَا هُوَ؛ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّضَ فَرَجَعَ بِالْعِوَضِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا الصَّدَاقَ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ بَعْضَهُ رَجَعَ بِنَظِيرِ مَا دَفَعَ ‏(‏وَيَرْجِعُ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏الثَّانِي عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏بِمَا‏)‏ أَيْ بِالْمَهْرِ الَّذِي ‏(‏أَخَذَهُ مِنْهُ‏)‏ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ مَهْرَانِ بِوَطْءٍ وَاحِدٍ ‏(‏وَإِنْ لَمْ‏.‏

يَقْدَمْ‏)‏ الْأَوَّلُ ‏(‏حَتَّى مَاتَ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ مَعَهَا ‏(‏وَرِثَتْهُ‏)‏ لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ فِي الظَّاهِرِ ‏(‏بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا‏)‏ فَلَا تَرِثُهُ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا مِنْ إرْثِهِ بِتَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ قُدُومِ الْأَوَّلِ وَوَطْءِ الثَّانِي فَإِنْ اخْتَارَهَا وَرِثَهَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا وَرِثَهَا الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ إذَنْ‏.‏

‏(‏وَمَنْ ظَهَرَ مَوْتُهُ لِاسْتِفَاضَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ‏)‏ شَهِدَتْ بِمَوْتِهِ كَذِبًا ‏(‏ثُمَّ قَدِمَ فَكَمَفْقُودٍ‏)‏ إذَا عَادَ فَتُرَدُّ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَطَأْ الثَّانِي وَيُخَيَّرُ إنْ كَانَ وَطِئَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَتَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ‏)‏ الَّتِي شَهِدَتْ بِوَفَاتِهِ ‏(‏مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهِ‏)‏ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِ شَهَادَتِهَا‏.‏

قُلْت‏:‏ إنْ تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْمُبَاشِرِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ ‏(‏مَهْرَ‏)‏ الزَّوْجِ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ لِتَسَبُّبِهَا فِي غُرْمِهِ ذَلِكَ، قَالَ‏:‏ وَلِلْمَالِكِ أَيْضًا تَضْمِينُ مَنْ بَاشَرَ إتْلَافَ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ‏.‏

‏(‏وَمَتَى فُرِّقَ‏)‏ أَيْ فَرَّقَ الْحَاكِمُ ‏(‏بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِمُوجِبٍ‏)‏ يَقْتَضِيهِ كَإِخْوَةِ رَضَاعٍ وَتَعَذُّرِ نَفَقَةٍ مِنْ جِهَةِ زَوْجٍ وَعُنَّةٍ ‏(‏ثُمَّ؛ بَانَ انْتِفَاؤُهُ‏)‏ أَيْ الْمُوجِبِ لِلتَّفْرِيقِ ‏(‏فَكَمَفْقُودٍ‏)‏ قَدِمَ بَعْدَ تَزَوُّجِ امْرَأَتِهِ فَتُرَدُّ إلَيْهِ قَبْلَ وَطْءٍ ثَانٍ وَيُخَيَّرُ بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَخْبَرَ بِطَلَاقِ‏)‏ زَوْجٍ ‏(‏غَائِبٍ وَ‏)‏ أَخْبَرَ ‏(‏أَنَّهُ وَكِيلُ‏)‏ رَجُلٍ ‏(‏آخَرَ فِي نِكَاحِهِ بِهَا‏)‏ أَيْ الْمُطَلَّقَةِ ‏(‏وَضَمِنَ‏)‏ الْمُخْبِرُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي تَزَوُّجِهَا ‏(‏الْمَهْرَ‏)‏ الَّذِي نَكَحَهَا لِلْغَائِبِ عَلَيْهِ ‏(‏فَنَكَحَتْهُ‏)‏ أَيْ الشَّخْصَ بِمُبَاشَرَةِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي تَزَوُّجِهَا ‏(‏ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ‏)‏ الْغَائِبُ ‏(‏فَأَنْكَرَ‏)‏ مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ طَلَاقِهَا ‏(‏فَهِيَ زَوْجَتُهُ‏)‏ بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَرْفَعُهُ ‏(‏وَلَهَا الْمَهْرُ‏)‏ عَلَى مَنْ نَكَحَتْهُ بِوَطْئِهَا، وَلَهَا الطَّلَبُ عَلَى ضَامِنِهِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ فَلَا مَهْرَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ طَلَّقَ غَائِبٌ‏)‏ عَنْ زَوْجَتِهِ ‏(‏أَوْ مَاتَ‏)‏ عَنْهَا ‏(‏اعْتَدَّتْ مُنْذُ الْفُرْقَةِ‏)‏ أَيْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ مُطْلَقًا لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ مَا سَبَقَ ‏(‏وَإِنْ لَمْ تَحِدَّ‏)‏ فِيمَا إذَا مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَتْهُ قَصْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْعِدَّةِ وَسَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَخْبَرَهَا مَنْ تَثِقُ بِهِ‏.‏

‏(‏وَعِدَّةُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا‏)‏ حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُزَوَّجَةً كَعِدَّةِ ‏(‏مُطَلَّقَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الرَّحِمِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ ‏(‏إلَّا أَمَةً غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ فَتُسْتَبْرَأُ‏)‏ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ‏(‏بِحَيْضَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ اسْتِبْرَاءَهَا مِنْ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَكَذَا غَيْرُهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ‏)‏ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ‏(‏زَمَنَ عِدَّةٍ‏)‏ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏غَيْرُ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ‏)‏؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لِعَارِضٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْفَرْجُ فَأُبِيحَ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَهُ كَالْحَيْضِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِزِنًا‏)‏ نَصًّا‏.‏

وَقَالَ‏:‏ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ‏}‏ ‏"‏ لَا يَصِحُّ ‏(‏وَإِنْ أَمْسَكَهَا‏)‏ زَوْجُهَا فَلَمْ يُطَلِّقْهَا لِزِنَاهَا ‏(‏اسْتَبْرَأَهَا‏)‏ أَيْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏وطء المعتدة بشبهة‏]‏

وَإِنْ وُطِئَتْ مُعْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ وُطِئَتْ بِ ‏(‏نِكَاحٍ فَاسِدٍ‏)‏ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ‏(‏أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّتُهُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا مَا لَمْ تَحْمِلْ مِنْ الثَّانِي فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ثُمَّ تُتَمِّمُ عِدَّةَ الْأَوَّلِ ‏(‏وَلَا يُحْتَسَبُ مِنْهَا‏)‏ أَيْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ ‏(‏مُقَامُهَا عِنْدَ الثَّانِي‏)‏ بَعْدَ وَطْئِهِ لِانْقِطَاعِهَا بِوَطْئِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ‏(‏رَجْعَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي التَّتِمَّةِ‏)‏ أَيْ تَتِمَّةِ عِدَّتِهِ لِعَدَمِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْ رَجَعْتِهَا كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ‏(‏ثُمَّ اعْتَدَّتْ‏)‏ بَعْدَ تَتِمَّةِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ ‏(‏لِوَطْءِ الثَّانِي‏)‏ لِخَبَرِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى فِي الَّتِي تَتَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَتُكْمِلُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَتَعْتَدُّ مِنْ الْآخَرِ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ اجْتَمَعَا لِرَجُلَيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا وَقُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا كَمَا لَوْ تَسَاوَيَا فِي مُبَاحٍ غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ وَالْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ أَوْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَزَوَّجَتْهُ فِي عِدَّتِهَا ‏(‏عَيْنًا‏)‏ أَيْ بِعَيْنِهِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَعَاشَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا الْأَوَّلُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ ‏(‏أَوْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ‏)‏ أَيْ بِأَحَدِهِمَا ‏(‏قَافَةٌ وَأَمْكَنَ‏)‏ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ ‏(‏بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِنْ بَيْنُونَةِ الْأَوَّلِ لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ‏)‏ مِمَّنْ أُلْحِقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَضَعَتْهُ فَانْقَضَتْ عِدَّةُ أَبِيهِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ‏(‏ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ‏)‏ الَّذِي لَمْ يُلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْعِدَّةِ ‏(‏وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدَ الْقَافَةُ ‏(‏بِهِمَا‏)‏ أَيْ الْوَاطِئَيْنِ ‏(‏لَحِقَ‏)‏ بِهِمَا ‏(‏وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا‏)‏ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُمَا أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُهُ ‏(‏وَإِنْ أَشْكَلَ‏)‏ الْوَلَدُ عَلَى الْقَافَةِ ‏(‏أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ قَائِفَانِ ‏(‏اعْتَدَّتْ بَعْدَ وَضْعِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ‏)‏ لِتَخْرُجَ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ بِيَقِينٍ وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمَا لَمْ يَنْتَفِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَافَةِ تَرْجِيحُ أَحَدِ صَاحِبَيْ الْفِرَاشِ لَا نَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ كُلِّهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ وَطِئَهَا مُبِينُهَا فِيهَا‏)‏ أَيْ عِدَّتِهَا مِنْهُ ‏(‏عَمْدًا‏)‏ بِلَا شُبْهَةٍ ‏(‏فَكَأَجْنَبِيٍّ‏)‏ فَتُتَمِّمُ الْعِدَّةَ الْأُولَى ثُمَّ تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ الثَّانِيَةَ لِلزِّنَا؛ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ وَطْئَيْنِ يَلْحَقُ النَّسَبُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ رَجُلَيْنِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ وَطِئَهَا مُبِينُهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ ‏(‏بِشُبْهَةٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَطْءِ وَدَخَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ وَاحِدٍ لِوَطْأَيْنِ يَلْحَقُ النَّسَبُ فِيهِمَا لُحُوقًا وَاحِدًا فَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ طَلَّقَ الرَّجْعِيَّةَ فِي عِدَّتِهَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ‏)‏ أَوْ زِنًا ‏(‏ثُمَّ طَلَّقَهَا اعْتَدَّتْ لَهُ‏)‏ أَيْ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِالزَّوْجِيَّةِ فَقُدِّمَتْ عَلَى غَيْرِهَا لِقُوَّتِهَا ‏(‏ثُمَّ تُتَمِّمُ‏)‏ الْعِدَّةَ ‏(‏لِلشُّبْهَةِ‏)‏ أَوْ لِلزِّنَا؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهَا فَلَا تَبْطُلُ بِتَقْدِيمِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا كَالدَّيْنَيْنِ إذَا قَدَّمَ صَاحِبُ الرَّهْنِ فِي أَحَدِهِمَا‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ وَطْءُ زَوْجٍ‏)‏ زَوْجَةً مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ‏(‏وَلَوْ مَعَ حَمْلٍ مِنْهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏قَبْلَ عِدَّةِ وَاطِئٍ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا وَلَدَتْ اعْتَدَّتْ لِلشُّبْهَةِ ثُمَّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا‏)‏ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ رَجْعِيَّةٍ وَسُكْنَاهَا عَنْ الْأَوَّلِ لِنُشُوزِهَا و‏(‏لَمْ تَنْقَطِعْ‏)‏ عِدَّتُهَا بِالْعَقْدِ ‏(‏حَتَّى يَطَأَهَا‏)‏ الثَّانِي لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَاطِلٌ لَا تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا فَإِنْ وَطِئَهَا انْقَطَعَتْ ‏(‏ثُمَّ إذَا فَارَقَهَا‏)‏ مَنْ تَزَوَّجَهَا أَوْ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ‏(‏بَنَتْ عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ‏)‏ لِسَبْقِ حَقِّهِ ‏(‏وَاسْتَأْنَفَتْهَا‏)‏ أَيْ الْعِدَّةَ كَامِلَةً ‏(‏لِلثَّانِي‏)‏ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ وَاعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَكَمَا سَبَقَ ‏(‏وَلِلثَّانِي‏)‏ أَيْ الَّذِي تَزَوَّجَتْهُ فِي عِدَّتِهَا وَوَطِئَهَا ‏(‏أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ‏)‏ انْقِضَاءِ ‏(‏الْعِدَّتَيْنِ‏)‏ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏ مَعَ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَوْ الْوَطْءِ فِيهِ أَوْ بِهِمَا وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ نَكَحَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَوَطِئَهَا وَلِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي عَلَى التَّأْبِيدِ فَهَذَا أَوْلَى وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ خَالَفَهُ فِيهِ عَلِيٌّ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَإِنَّ عَلِيًّا قَالَ‏:‏ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إلَى الشُّبَهِ، وَرَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ‏.‏

‏(‏وَتَتَعَدَّدُ‏)‏ عِدَّةٌ ‏(‏بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ‏)‏ لِحَدِيثِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَالدَّيْنَيْنِ فَإِنْ تَعَدَّدَ الْوَطْءُ مِنْ وَاحِدٍ فَعِدَّةٌ وَاحِدَةٌ و‏(‏لَا‏)‏ تَتَعَدَّدُ الْعِدَّةُ بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ ‏(‏بِزِنًا‏)‏ قَالَ‏:‏ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

وَفِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ أَظْهَرُ‏.‏ انْتَهَى‏.‏ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَمْدَانَ لِعَدَمِ لُحُوقِ النَّسَبِ فِيهِ فَبَقِيَ لِقَصْدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَلَيْهِ فَعِدَّتُهَا مِنْ آخِرِ وَطْءٍ وَقُدِّمَ فِي الْمُبْدِعِ وَالتَّنْقِيحِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُقْنِعِ تَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِ زَانٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا أَمَةٌ‏)‏ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ ‏(‏فِي اسْتِبْرَاءٍ‏)‏ فَيَتَعَدَّدُ الِاسْتِبْرَاءُ بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ لَا بِزِنًا قِيَاسًا عَلَى الْحُرَّةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ طَلُقَتْ طَلْقَةً‏)‏ رَجْعِيَّةً ‏(‏فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلُقَتْ‏)‏ طَلْقَةً ‏(‏أُخْرَى‏)‏ وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا ‏(‏بَنَتْ‏)‏ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةٌ أَشْبَهَا الطَّلْقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا‏)‏ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ‏(‏اسْتَأْنَفَتْ‏)‏ عِدَّةَ الطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ أَزَالَتْ شَعَثَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَأَعَادَتْ الْمَرْأَةَ إلَى النِّكَاحِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ ‏(‏كَفَسْخِهَا‏)‏ أَيْ الرَّجْعِيَّةِ النِّكَاحَ ‏(‏بَعْدَ رَجْعَةٍ لِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ‏)‏ كَعُنَّةٍ أَوْ إيلَاءٍ فَإِنْ فُسِخَتْ بِلَا رَجْعَةٍ بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا بَنَتْ‏)‏ عَلَى مَا مَضَى مِنْ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِي فِي نِكَاحٍ ثَانٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ فَلَمْ يُوجِبْ عِدَّةً لِعُمُومِ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إعَادَةٌ إلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَالطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهَا طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ وَاحِدٍ فَكَانَ اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ أَظْهَرَ لِأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا وَلَوْلَا الدُّخُولُ لَمَا كَانَتْ رَجْعِيَّةً وَفِي الْبَائِنِ بَعْدَ النِّكَاحِ طَلَاقٌ عَنْ نِكَاحٍ مُتَجَدِّدٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ دُخُولٌ وَلِذَلِكَ يَتَنَصَّفُ بِهِ الْمَهْرُ ‏(‏وَإِنْ انْقَضَتْ‏)‏ عِدَّتُهَا أَيْ الْبَائِنِ ‏(‏قَبْلَ طَلَاقِهِ‏)‏ ثَانِيًا وَقَدْ نَكَحَهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ‏(‏فَلَا عِدَّةَ لَهُ‏)‏ أَيْ الطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ عَنْ نِكَاحٍ لَا دُخُولَ فِيهِ وَلَا خَلْوَةَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ تَبْنِي عَلَيْهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏أحكام الإحداد‏]‏

يَحْرُمُ إحْدَادٌ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا ‏(‏عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ زَوْجٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏"‏‏{‏لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الْإِحْدَادُ ‏(‏عَلَى زَوْجَتِهِ‏)‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ‏)‏ لِلْخَبَرِ وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَلَيْسَتْ زَوْجَةً فِيهِ شَرْعًا وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ وَيَحِلُّ لَهَا فَتَحْزَنُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏ذِمِّيَّةً‏)‏ وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏أَمَةً‏)‏ وَالزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ‏)‏ وَالزَّوْجُ مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَيُجَنِّبُهَا وَلِيُّهَا مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُكَلَّفَةُ ‏(‏زَمَنَ عِدَّتِهِ‏)‏ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِتَسَاوِيهِمْ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَحُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَجِبُ عَلَى بَائِنٍ بِطَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ فَسْخٍ‏.‏

‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ الْإِحْدَادُ ‏(‏لِبَائِنٍ‏)‏ وَلَا يُسَنُّ لَهَا؛ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْإِحْدَادُ ‏(‏تَرْكُ زِينَةٍ وَ‏)‏ تَرْكُ ‏(‏طِيبٍ كَزَعْفَرَانٍ وَلَوْ كَانَ بِهَا سَقَمٌ‏)‏ لِتَحْرِيكِ الطِّيبِ الشَّهْوَةَ وَدُعَائِهِ إلَى نِكَاحِهَا ‏(‏وَ‏)‏ تَرْكُ ‏(‏لُبْسِ حُلِيٍّ وَلَوْ خَاتَمًا‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْحُلِيُّ، وَلِأَنَّ الْحُلِيَّ يَزِيدُ حُسْنَهَا وَيَدْعُو إلَى نِكَاحِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَرْكُ لُبْسِ ‏(‏مُلَوَّنٍ مِنْ ثِيَابٍ لِزِينَةٍ كَأَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَأَزْرَقَ صَافِيَيْنِ وَمَا صُبِغَ قَبْلَ نَسْجٍ‏)‏ كَالْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَرْكُ ‏(‏تَحْسِينٍ بِحِنَّاءٍ وَإِسْفِيدَاجٍ وَ‏)‏ تَرْكُ ‏(‏تَكَحُّلٍ بِ‏)‏ كُحْلٍ ‏(‏أَسْوَدَ بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِهَا حَاجَةٌ إلَيْهِ جَازَ وَلَهَا اكْتِحَالٌ بِنَحْوِ تُوتْيَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَرْكُ ‏(‏ادِّهَانٍ بِ‏)‏ دُهْنٍ ‏(‏مُطَيِّبٍ‏)‏ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَاللُّبَّانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَرْكُ ‏(‏تَحْمِيرِ وَجْهٍ وَحَفِّهِ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَنَقْشٍ وَتَخْطِيطٍ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ ‏"‏ ‏{‏كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَتَطَيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ ‏{‏لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نَبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ‏}‏ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَالْعَصْبُ ثِيَابٌ يَمَنِيَّةٌ فِيهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ يُصْبَغُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُنْسَجُ قَالَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ نَبْتٌ يُصْبَغُ بِهِ‏.‏

‏(‏وَلَا تُمْنَعُ‏)‏ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ ‏(‏مِنْ صَبْرٍ‏)‏ تُطْلَى بِهِ بَدَنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا طِيبَ فِيهِ ‏(‏إلَّا فِي الْوَجْهِ‏)‏ فَلَا تُطْلَى بِهِ وَجْهَهَا لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا فَقَالَ مَاذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ‏؟‏ فَقُلْتُ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ لَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ وَلَا تَتَمَشَّطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ‏}‏‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ تُمْنَعُ مِنْ ‏(‏لُبْسِ أَبْيَضَ وَلَوْ حَسَنًا‏)‏ مِنْ إبْرَيْسَمَ؛ لِأَنَّ حُسْنَهُ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُهُ كَالْمَرْأَةِ حَسْنَاءَ الْخِلْقَةِ لَا يَلْزَمُهَا تَغْيِيرُ نَفْسِهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَشْوِيهِهَا ‏(‏وَلَا‏)‏ تُمْنَعُ مِنْ ‏(‏مُلَوَّنٍ لِدَفْعِ وَسَخٍ كَكُحْلِيٍّ‏)‏ وَنَحْوِهِ كَأَخْضَرَ غَيْرِ صَافٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ثَوْبِ الْعَصْبِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى فِي الْخَبَرِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تُمْنَعُ ‏(‏مِنْ نِقَابٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالْمُحْرِمَةُ مُنِعَتْ مِنْهُ لِمَنْعِهَا مِنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا ‏(‏وَ‏)‏ لَا تُمْنَعُ مِنْ ‏(‏أَخْذِ ظُفُرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَأَخْذِ عَانَةٍ وَنَتْفِ إبِطٍ وَلَهَا تَزَيُّنٌ فِي نَحْوِ فُرُشٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي الْبَدَنِ فَقَطْ ‏(‏وَلَا مِنْ تَنْظِيفٍ وَغُسْلٍ‏)‏ وَامْتِشَاطٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَلَا طِيبَ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَيَحْرُمُ تَحَوُّلُهَا‏)‏ أَيْ الْمُعْتَدَّةِ لِلْوَفَاةِ ‏(‏مِنْ مَسْكَنٍ وَجَبَتْ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْعِدَّةُ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهِ وَلَوْ مُؤَجَّرًا أَوْ مُعَارًا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ لِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ وَفِيهِ ‏"‏ ‏{‏اُمْكُثِي فِي بَيْتِكَ الَّذِي أَتَاكِ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ فَاعْتَدِّي فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

‏(‏إلَّا لِحَاجَةٍ‏)‏ تَدْعُو إلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ كَخُرُوجِهَا مِنْهُ ‏(‏لِخَوْفٍ‏)‏ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا ‏(‏وَلِحَقٍّ‏)‏ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ لِأَجْلِهِ ‏(‏وَتَحْوِيلِ مَالِكِهِ‏)‏ أَيْ الْمَسْكَنِ ‏(‏لَهَا‏)‏ أَيْ الْمُعْتَدَّةِ لِوَفَاةٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏طَلَبِهِ‏)‏ أَيْ مَالِكِ الْمَسْكَنِ مِنْ مُعْتَدَّةٍ لِوَفَاةٍ ‏(‏فَوْقَ أُجْرَتِهِ‏)‏ الْمُعْتَادَةِ ‏(‏أَوْ لَا تَجِدُ‏)‏ الْمُعْتَدَّةُ لِوَفَاةٍ ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ مَالًا ‏(‏تَكْتَرِي بِهِ إلَّا مِنْ مَالِهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ السُّكْنَى لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ السُّكْنَى سَقَطَتْ ‏(‏فَيَجُوزُ‏)‏ تَحَوُّلُهَا ‏(‏إلَى حَيْثُ شَاءَتْ‏)‏ لِسُقُوطِ الْوَاجِبِ لِلْعُذْرِ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالِاعْتِدَادِ فِي مُعَيَّنٍ غَيْرِهِ فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ‏(‏وَتُحَوَّلُ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةٍ ‏(‏لِأَذَاهَا‏)‏ لِجِيرَانِهَا و‏(‏لَا‏)‏ تُحَوَّلُ ‏(‏مَنْ حَوْلَهَا‏)‏ دَفْعًا لِأَذَاهَا، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ تَحْوِيلُ الْجَارِ السُّوءِ وَمَنْ يُؤْذِي غَيْرَهُ‏.‏

‏(‏وَيَلْزَمُ‏)‏ مُعْتَدَّةً ‏(‏مُنْتَقِلَةً‏)‏ مِنْ مَسْكَنٍ وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ ‏(‏بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ إلَى نَقْلِهَا ‏(‏الْعُودُ‏)‏ إلَيْهِ لِتُتِمَّ عِدَّتَهَا فِيهِ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ‏.‏

‏(‏وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ‏)‏ لِلْوَفَاةِ ‏(‏بِمُضِيِّ الزَّمَانِ‏)‏ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ‏(‏حَيْثُ كَانَتْ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِدَادِ‏.‏

‏(‏وَلَا تَخْرُجُ‏)‏ مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةٍ ‏(‏إلَّا نَهَارًا‏)‏؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ وَلَا تَخْرُجُ نَهَارًا إلَّا ‏(‏لِحَاجَتِهَا‏)‏ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهَا فَلَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ غَيْرِهَا وَلَا لِعِيَادَةٍ وَزِيَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ سَافَرَتْ‏)‏ زَوْجَتُهُ دُونَهُ ‏(‏بِإِذْنِهِ‏)‏ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ تَرْجِعُ مُطْلَقًا ‏(‏أَوْ‏)‏ سَافَرَتْ ‏(‏مَعَهُ لِنُقْلَةٍ‏)‏ مِنْ بَلْدَةٍ ‏(‏إلَى بَلَدٍ‏)‏ آخَرَ ‏(‏فَمَاتَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ‏)‏ أَيْ بُنْيَانِ الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ رَجَعَتْ وَاعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ سَافَرَتْ ‏(‏لِغَيْرِ النُّقْلَةِ‏)‏ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ سَفَرُهَا ‏(‏لِحَجٍّ وَلَمْ تُحْرِمْ‏)‏ وَمَاتَ ‏(‏قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ‏)‏ رَجَعَتْ و‏(‏اعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ‏)‏ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ تُوُفِّيَ أَزْوَاجُ نِسَاءٍ وَهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ وَلِأَنَّهَا أَمْكَنَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا قَبْلَ أَنْ تَبْعُدَ فَلَزِمَهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُفَارِقْ الْبُنْيَانَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ مَاتَ زَوْجُهَا ‏(‏بَعْدَهُمَا‏)‏ أَيْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ إنْ كَانَ سَفَرُهَا لِنُقْلَةٍ أَوْ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ نُقْلَةٍ ‏(‏تُخَيَّرُ‏)‏ بَيْنَ الرُّجُوعِ فَتَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِهَا وَبَيْنَ الْمُضِيِّ إلَى مَقْصِدِهَا؛ لِأَنَّ كِلَا الْبَلَدَيْنِ سَوَاءٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَاكِنَةً بِالْأَوَّلِ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَنْزِلًا لَهَا بِإِذْنِهِ فِي الِانْتِقَالِ عَنْهُ كَمَا لَوْ حَوَّلَهَا قَبْلَهُ‏.‏

وَالثَّانِي لَمْ يَصِرْ مَنْزِلَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْكُنْهُ وَحَيْثُ مَضَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا فَإِنْ كَانَ لِنُزْهَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مُدَّةِ إقَامَتِهَا وَإِلَّا أَقَامَتْ ثَلَاثًا فَإِذَا مَضَتْ أَوْ قَضَتْ حَاجَتَهَا، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ وَنَحْوُهُ أَتَمَّتْ الْعِدَّةَ بِمَكَانِهَا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَى مَنْزِلِهَا إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَإِلَّا لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِتُتِمَّهَا بِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي النَّقْلَةِ مِنْ دَارٍ إلَى أُخْرَى‏.‏

فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهَا اعْتَدَّتْ بِالْأُولَى وَبَعْدَهُ تَعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا تُخَيَّرُ ‏(‏وَإِنْ أَحْرَمَتْ‏)‏ مَنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا لِحَجٍّ وَمَاتَ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ إحْرَامُهَا ‏(‏قَبْلَ مَوْتِهِ‏)‏ قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ ‏(‏وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ‏)‏ بَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِمَنْزِلِهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ بِأَنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَهُمَا عَادَتْ لِمَنْزِلِهَا فَاعْتَدَّتْ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ تُحْرِمْ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُمْكِنْهَا الْجَمْعُ بِأَنْ كَانَ الْوَقْتُ لَا يَتَّسِعُ لَهُمَا ‏(‏قُدِّمَ حَجٌّ مِنْ بُعْدِهَا‏)‏ عَنْ بَلَدِهَا بِأَنْ كَانَتْ سَافَرَتْ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ لِوُجُوبِ الْحَجِّ بِالْإِحْرَامِ، وَفِي مَنْعِهَا مِنْ إتْمَامِ سَفَرِهَا ضَرَرٌ عَلَيْهَا بِتَضْيِيعِ الزَّمَانِ وَالنَّفَقَةِ وَمَنْعِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَمَتَى رَجَعَتْ مِنْ الْحَجِّ، وَبَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ أَتَمَّتْهُ فِي مَنْزِلِهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَبْعُدْ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَقَدْ أَحْرَمَتْ ‏(‏فَالْعِدَّةُ‏)‏ تُقَدِّمْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمَةِ ‏(‏وَتَتَحَلَّلُ لِفَوْتِهِ‏)‏ أَيْ الْحَجِّ ‏(‏بِعُمْرَةٍ‏)‏ فَتَبْقَى عَلَى إحْرَامِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا‏.‏

ثُمَّ تُسَافِرَ لِلْعُمْرَةِ فَتَأْتِيَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَوَاتِ‏.‏

وَفِي الْمُغْنِي إنْ أَمْكَنَهَا السَّفَرُ تَحَلَّلَتْ بِعُمْرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا تَحَلَّلَتْ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ‏.‏

‏(‏وَتَعْتَدُّ بَائِنٌ‏)‏ بِطَلْقَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ فَسْخٍ ‏(‏بِ‏)‏ مَكَان ‏(‏مَأْمُونٍ مِنْ الْبَلَدِ‏)‏ الَّذِي بَانَتْ فِيهِ ‏(‏حَيْثُ شَاءَتْ‏)‏ مِنْهُ نَصًّا لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي‏}‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏(‏وَلَا تَبِيتُ إلَّا بِهِ‏)‏ أَيْ بِالْمَأْمُونِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي شَاءَتْهُ ‏(‏وَلَا تُسَافِرُ‏)‏ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا‏.‏

لِمَا فِي الْبَيْتُوتَةِ بِغَيْرِ مَنْزِلِهَا، وَسَفَرِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا مِنْ التَّبَرُّجِ وَالتَّعَرُّضِ لِلرِّيبَةِ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ سَكَنَتْ بَائِنٌ ‏(‏عُلُوًّا‏)‏ وَمُبِينٌ فِي السُّفْلِ ‏(‏أَوْ‏)‏ سَكَنَتْ ‏(‏سُفْلًا وَ‏)‏ سَكَنَ ‏(‏مُبِينٌ فِي الْآخَرِ وَبَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ‏)‏ جَازَ كَمَا لَوْ كَانَا بِحُجْرَتَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مَعَهَا مَحْرَمٌ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ‏.‏

جَازَ لِتَحَفُّظِهَا بِمَحْرَمِهَا، وَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى‏.‏

قَالَهُ فِي الشَّرْحِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ ‏(‏وَإِنْ أَرَادَ‏)‏ مُبِينُهَا ‏(‏إسْكَانَهَا بِمَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ غَيْرِ مَنْزِلِهِ ‏(‏مِمَّا يَصِحُّ لَهَا‏)‏ سَكَنًا ‏(‏تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ‏)‏ مِنْ رُؤْيَةِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهُ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ ‏(‏لَزِمَهَا‏)‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ، وَضَرَرٌ عَلَيْهِ فَكَانَ إلَى اخْتِيَارِهِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ‏)‏ أَيْ مَرِيدَ الْإِسْكَانِ ‏(‏نَفَقَةٌ كَمُعْتَدَّةٍ لِ‏)‏ وَطْءِ ‏(‏شُبْهَةٍ أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ لِعِتْقٍ‏)‏ فَيَجِبُ السُّكْنَى عَلَيْهِنَّ بِمَا يَخْتَارُهُ الْوَاطِئُ أَوْ السَّيِّدُ تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ بِلَا مَحْذُورٍ وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ وَلَا الْوَاطِئَ إسْكَانُهَا حَيْثُ لَا حَمْلَ‏.‏

‏(‏وَرَجْعِيَّةٌ فِي لُزُومِ مَنْزِلِ‏)‏ مُطَلِّقِهَا لَا فِي الْإِحْدَادِ ‏(‏كَمُتَوَفًّى عَنْهَا‏)‏ زَوْجُهَا نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ‏}‏ وَلَا يَخْرُجْنَ وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا الْمُطَلِّقُ فِي الْخُرُوجِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِدَّةِ وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ إسْقَاطَ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا أَيْ الْعِدَّةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ امْتَنَعَ مَنْ‏)‏ أَيْ زَوْجٌ أَوْ مُبِينٌ ‏(‏لَزِمَتْهُ سُكْنَى‏)‏ زَوْجَتِهِ أَوْ مُبَانَتِهِ الْحَامِلِ ‏(‏أُجْبِرَ‏)‏ أَيْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ مَنْ وَجَبَتْ لَهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ غَابَ‏)‏ مَنْ لَزِمَتْهُ السُّكْنَى ‏(‏اكْتَرَى عَنْهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ‏)‏ مَسْكَنًا لَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ اقْتَرَضَ‏)‏ الْحَاكِمُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ ‏(‏أَوْ فَرَضَ‏)‏ الْحَاكِمُ ‏(‏أُجْرَتَهُ‏)‏ أَيْ الْمَسْكَنِ لِتُؤْخَذَ مِنْهُ إذَا حَضَرَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اكْتَرَتْهُ‏)‏ أَيْ الْمَسْكَنَ مَنْ وَجَبَتْ لَهَا السُّكْنَى ‏(‏بِإِذْنِهِ‏)‏ أَيْ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ‏)‏ إنْ عَجَزَتْ عَنْ اسْتِئْذَانِهِ ‏(‏أَوْ بِدُونِهِمَا‏)‏ أَيْ دُونِ إذْنِهِ وَإِذْنِ حَاكِمٍ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِئْذَانِ حَاكِمٍ ‏(‏رَجَعَتْ‏)‏ بِمِثْلِ مَا اكْتَرَتْ بِهِ لِقِيَامِهَا عَنْهُ بِوَاجِبٍ كَسَائِرِ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا بِنِيَّةِ رُجُوعٍ ‏(‏وَلَوْ سَكَنَتْ‏)‏ مَعَ غَيْبَتِهِ أَوْ مَنْعِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ ‏(‏فِي مِلْكِهَا‏)‏ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ عَلَيْهِ بِأُجْرَتِهِ ‏(‏فَلَهَا أُجْرَتُهُ‏)‏ لِوُجُوبِ إسْكَانِهَا عَلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ ‏(‏وَلَوْ سَكَنَتْهُ‏)‏ أَيْ مِلْكَهَا ‏(‏أَوْ اكْتَرَتْ‏)‏ مَسْكَنًا ‏(‏مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ فَلَا‏)‏ طَلَبَ لَهَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَائِبٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ وَلَا آذِنٍ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ لَزِمَتْ غَيْرَهُ نَفَقَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ‏.‏

باب‏:‏ استبراء الإماء

الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ الْبَرَاءَةِ أَيْ التَّمْيِيزِ وَالِانْقِطَاعِ يُقَالُ بُرِيَ اللَّحْمُ مِنْ الْعَظْمِ إذَا قُطِعَ عَنْهُ وَفُصِلَ ‏(‏وَهُوَ قَصْدٌ‏)‏ أَيْ تَرَبُّصٌ شَأْنُهُ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ ‏(‏عِلْمُ بَرَاءَةِ رَحِمِ مِلْكِ يَمِينٍ‏)‏ مِنْ قِنٍّ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُدَبَّرَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ ‏(‏حُدُوثًا‏)‏ أَيْ عِنْدَ حُدُوثِ مِلْكٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏أَوْ زَوَالًا‏)‏ أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ زَوَالِ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ زَوَالٍ بِعِتْقٍ أَوْ زَوَالِ اسْتِمْتَاعِهِ بِأَنْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا ‏(‏مِنْ حَمْلٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِ ‏"‏ بَرَاءَةِ ‏"‏ ‏(‏غَالِبًا‏)‏ وَقَدْ يَكُونُ تَعَبُّدًا ‏(‏بِوَضْعِ حَمْلٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِ ‏"‏ عِلْمُ ‏"‏ ‏(‏أَوْ بِحَيْضَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ بِعَشَرَةِ‏)‏ أَشْهُرٍ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَخُصَّ الِاسْتِبْرَاءُ بِهَذَا الِاسْمِ لِتَقْدِيرِهِ بِأَقَلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ وَتَعَدُّدٍ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَلِأَبِي سَعِيدٍ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ مَرْفُوعًا ‏"‏ ‏{‏لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ الِاسْتِبْرَاءُ ‏(‏فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ‏)‏ فَقَطْ بِالِاسْتِقْرَاءِ ‏(‏أَحَدُهَا إذَا مَلَكَ ذَكَرٌ وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏طِفْلًا‏)‏ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏مَنْ‏)‏ أَيْ أَمَةً ‏(‏يُوطَأُ مِثْلُهَا‏)‏ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ‏(‏وَلَوْ مَسْبِيَّةً، أَوْ لَمْ تَحِضْ‏)‏ لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ ‏(‏حَتَّى‏)‏ وَلَوْ مَلَكَهَا ‏(‏مِنْ طِفْلٍ وَأُنْثَى لَمْ يَحِلَّ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا وَلَوْ بِقُبْلَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَالْعِدَّةِ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْمِلُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ‏:‏ نَعَمْ قَدْ كَانَ فِي جِيرَانِنَا، وَمُقَدَّمَاتُ الْوَطْءِ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ كَوْنُهَا‏.‏

حَامِلًا مِنْ بَائِعِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ ‏(‏فَإِنْ عَتَقَتْ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ ‏(‏لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَمْ يَصِحَّ‏)‏ نِكَاحُهَا مِنْهُ إنْ تَزَوَّجَهَا ‏(‏حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلِ الْعِتْقِ فَحَرُمَ تَزْوِيجُهَا بَعْدَهُ كَالْمُعْتَدَّةِ ‏(‏وَلَيْسَ لَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ سَيِّدِهَا ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهَا يَطَأُ‏)‏ كَسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا فَحَرُمَ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا مُعْتَدَّةً ‏(‏إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ‏)‏ قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ‏)‏ فِي التَّنْقِيحِ ‏(‏وَهِيَ أَصَحُّ‏)‏ وَصَحَّحَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ وَطْءٍ، وَكَانَ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ نَقْلِ الْمِلْكِ عَنْهُ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَخَذَ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَمَةً حَاضَتْ عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبِ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَكَذَا إنْ أَخَذَهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ ‏(‏أَوْ بَاعَ‏)‏ أَمَتَهُ ‏(‏أَوْ وَهَبَ أَمَتَهُ ثُمَّ عَادَتْ‏)‏ الْأَمَةُ ‏(‏إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ بِغَيْرِهِ‏)‏ وَلَوْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ ‏(‏حَيْثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ‏)‏ مُشْتَرٍ أَوْ مُتَّهَبٍ لَهَا لِتَجَدُّدِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا‏.‏

وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً و‏(‏لَا‏)‏ يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ ‏(‏إنْ عَادَتْ مُكَاتَبَتُهُ‏)‏ إلَيْهِ بِعَجْزٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَادَ إلَيْهِ ‏(‏رَحِمُهَا الْمَحْرَمُ‏)‏ بِعَجْزٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَادَ إلَيْهِ ‏(‏رَحِمُ مُكَاتَبِهِ الْمَحْرَمُ بِعَجْزِ‏)‏ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِسَبْقِ مِلْكِهِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَمَمْلُوكَتُهَا مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ‏.‏

مَمْلُوكَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْوَفَاءِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَإِذَا عَجَزَ عَادَ إلَيْهِ ‏(‏أَوْ فَكَّ أَمَتَهُ مِنْ رَهْنٍ‏)‏ فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ بِحَالِهِ ‏(‏أَوْ أَخَذَ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ أَمَةً، وَقَدْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ الْعَوْدِ أَوْ الْفَكِّ أَوْ الْأَخْذِ، فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِسَبْقِ مِلْكِهِ فَلَا تَجَدُّدَ مِلْكٍ يُوجِبُهُ ‏(‏أَوْ أَسْلَمَتْ‏)‏ أَمَةٌ ‏(‏مَجُوسِيَّةٌ‏)‏ حَاضَتْ عِنْدَ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَسْلَمَتْ ‏(‏وَثَنِيَّةٌ‏)‏ عِنْدَ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ حَاضَتْ عِنْدَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَسْلَمَتْ ‏(‏مُرْتَدَّةٌ حَاضَتْ عِنْدَهُ‏)‏ فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَلِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهِنَّ بِالِاسْتِبْرَاءِ عَقِبَ الْمِلْكِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَسْلَمَ ‏(‏مَالِكٌ بَعْدَ رِدَّةٍ‏)‏ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى إمَائِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏أَوْ مَلَكَ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا‏)‏ فَلَا اسْتِبْرَاءَ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مَحْسُوسَةٌ‏.‏

‏(‏وَلَا يَجِبُ‏)‏ اسْتِبْرَاءٌ ‏(‏بِمِلْكِ أُنْثَى مِنْ أُنْثَى‏)‏ أَوْ ذَكَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ‏(‏وَسُنَّ‏)‏ اسْتِبْرَاءٌ ‏(‏لِمَنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ‏)‏ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏لِيَعْلَمَ وَقْتَ حَمْلِهَا‏)‏ إنْ كَانَتْ حَامِلًا ‏(‏وَمَتَى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ‏)‏ مُنْذُ مَلَكَهَا ‏(‏فَأُمُّ وَلَدٍ وَلَوْ أَنْكَرَ الْوَلَدَ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهَا، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ وَلَدَتْ ‏(‏لِأَقَلَّ‏)‏ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا وَعَاشَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ الزَّوْجَةِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ‏(‏مَعَ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْحَمْلِ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مَاتَ وَلَدُهَا عَنْ وَرَثَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَحْجُبُ حَمْلَهَا إنْ كَانَ ‏(‏وَيُجْزِي اسْتِبْرَاءُ مَنْ‏)‏ أَيْ أَمَةٍ ‏(‏مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا‏)‏ كَالْمَأْخُوذِ أُجْرَةً أَوْ جَعَالَةً أَوْ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ وَنَحْوِهِ إنْ وُجِدَ اسْتِبْرَاؤُهَا ‏(‏قَبْلَ قَبْضٍ‏)‏ لَهَا ‏(‏وَ‏)‏ يُجْزِئُ اسْتِبْرَاءٌ ‏(‏لِمُشْتَرٍ زَمَنَ خِيَارٍ‏)‏ لِوُجُودِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ ‏(‏وَيَدُ وَكِيلٍ كَيَدِ مُوَكِّلٍ‏)‏ فَقَبْضُهُ كَقَبْضِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَ أَمَةٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا‏.‏

فَالِاسْتِبْرَاءُ مُنْذُ مَلَكَ الْبَاقِيَ ‏(‏وَمَنْ مَلَكَ‏)‏ أَمَةً ‏(‏مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ‏)‏ اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا‏)‏ زَوْجُهَا بَعْدَ دُخُولٍ بِهَا أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ ‏(‏أَوْ زَوَّجَ‏)‏ سَيِّدٌ ‏(‏أَمَتَهُ، ثُمَّ طَلُقَتْ بَعْدَ دُخُولِهِ اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ‏)‏ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ مَنْ مَلَكَ مُعْتَدَّةً مِنْهُ ‏(‏وَطْءُ مُعْتَدَّةٍ مِنْهُ‏)‏ بِغَيْرِ طَلَاقِ ثَلَاثٍ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ‏.‏

اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ مَائِهِ، فَإِنْ بَاعَهَا حَلَّتْ لِلْمُشْتَرِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ‏)‏ ‏(‏طَلُقَتْ مَنْ مُلِكَتْ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏مُزَوَّجَةً قَبْلَ الدُّخُولِ‏)‏ ‏(‏وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا‏)‏ نَصًّا وَقَالَ‏:‏ هَذِهِ حِيلَةٌ وَضَعَهَا أَهْلُ الرَّأْيِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا، وَلَمْ يَحْصُلْ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي مِلْكِهِ‏.‏

فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً، وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ دُخُولِهِ‏.‏

الْمَوْضِعُ ‏(‏الثَّانِي إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ‏)‏ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا ‏(‏ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا أَوْ‏)‏ وَطِئَهَا ثُمَّ أَرَادَ ‏(‏بَيْعَهَا حَرَامًا‏)‏ أَيْ التَّزْوِيجُ وَالْبَيْعُ ‏(‏حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ فَيُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْعَ جَارِيَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِحِفْظِ مَائِهِ، فَكَذَا الْبَائِعُ‏.‏

وَلِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا مَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا فَيُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ ‏(‏فَلَوْ خَالَفَ‏)‏ فَزَوَّجَهَا أَوْ بَاعَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا ‏(‏صَحَّ الْبَيْعُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ ‏(‏دُونَ النِّكَاحِ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ كَتَزْوِيجِ الْمُعْتَدَّةِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَطَأْ‏)‏ سَيِّدٌ أَمَتَهُ ‏(‏أُبِيحَا‏)‏ أَيْ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ إذَنْ‏.‏

الْمَوْضِعُ ‏(‏الثَّالِثُ إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ‏)‏ أَعْتَقَ ‏(‏سُرِّيَّتَهُ‏)‏ أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي اتَّخَذَهَا لِوَطْئِهِ مِنْ السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا سِرًّا‏.‏

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ‏:‏ خَصُّوا الْأَمَةَ بِهَذَا الِاسْمِ فَرْقًا بَيْنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُنْكَحُ وَالْأَمَةِ ‏(‏أَوْ مَاتَ عَنْهَا‏)‏ أَيْ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ السُّرِّيَّةِ سَيِّدُهَا ‏(‏لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِسَيِّدِهَا، وَقَدْ فَارَقَهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الْعِتْقِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى فِرَاشِ غَيْرِهِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ و‏(‏لَا‏)‏ يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ ‏(‏إنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا‏)‏ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ ‏(‏أَوْ أَرَادَ‏)‏ بَعْدَ عِتْقِهَا ‏(‏تَزَوُّجَهَا‏)‏ أَيْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ؛ لِأَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى فِرَاشِ غَيْرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اسْتَبْرَأَ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ بَائِعُهَا ‏(‏قَبْلَ بَيْعِهَا فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ‏)‏ مِنْهُ قَبْلَ وَطْئِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا اسْتِغْنَاءً بِاسْتِبْرَائِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا ‏(‏أَوْ أَرَادَ‏)‏ مُشْتَرِي أَمَةٍ اسْتَبْرَأَهَا بَائِعُهَا قَبْلَ بَيْعِهَا ‏(‏تَزَوُّجَهَا‏)‏ مِنْ غَيْرِهِ ‏(‏قَبْل وَطْئِهَا‏)‏ فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا بِالِاسْتِبْرَاءِ السَّابِقِ لِلْبَيْعِ‏.‏

‏(‏أَوْ كَانَتْ‏)‏ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ السُّرِّيَّةُ حَالَ عِتْقِهَا ‏(‏مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً‏)‏ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ‏(‏أَوْ فَرَغَتْ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَأَعْتَقَهَا‏)‏ سَيِّدُهَا ‏(‏قَبْلَ وَطْئِهِ‏)‏ بَعْدَ فَرَاغِ عِدَّتِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَلَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَبَانَهَا‏)‏ أَيْ الْأَمَةَ زَوْجُهَا ‏(‏قَبْلَ دُخُولِهِ‏)‏ بِهَا ‏(‏أَوْ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الدُّخُولِ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا ‏(‏أَوْ مَاتَ‏)‏ زَوْجُهَا ‏(‏فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏إنْ لَمْ يَطَأْهَا‏)‏ سَيِّدُهَا لِزَوَالِ فِرَاشِ سَيِّدِهَا بِتَزْوِيجِهَا ‏(‏كَمَنْ لَمْ يَطَأْهَا‏)‏ سَيِّدُهَا ‏(‏أَصْلًا‏)‏ قَبْلَ تَزَوُّجٍ‏.‏

وَلَا بَعْدَهُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ‏)‏ ‏(‏بِيعَتْ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْإِمَاءِ ‏(‏وَلَمْ تُسْتَبْرَأْ‏)‏ قَبْلَ بَيْعٍ ‏(‏فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ قَبْلَ وَطْءٍ وَ‏)‏ قَبْلَ ‏(‏اسْتِبْرَاءٍ‏)‏ ‏(‏اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا أَوْ تَمَّمَتْ مَا وُجِدَ عِنْدَ مُشْتَرٍ‏)‏ مِنْ اسْتِبْرَاءٍ إنْ عَتَقَتْ فِي أَثْنَائِهِ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا ‏(‏وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً وَكَانَ بَائِعُهَا يَطَؤُهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا‏)‏ بَائِعُهَا قَبْلَ بَيْعِهِ ‏(‏لَمْ يَجُزْ‏)‏ لِمُشْتَرِيهَا ‏(‏أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا‏)‏ حِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَحَذَرًا مِنْ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ أُمِّ وَلَدٍ وَسَيِّدُهَا وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا‏)‏ مَوْتًا ‏(‏فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا ‏(‏فَوْقَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ جَهِلَتْ الْمُدَّةَ‏)‏ بَيْنَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا ‏(‏لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ آخِرِهِمَا الْأَطْوَلُ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ لِوَفَاةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ آخِرًا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا بَلْ عِدَّةُ حُرَّةٍ لِلْوَفَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدُ فَيَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ إلَّا بِأَطْوَلِهِمَا فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْأَقَلُّ لَكِنْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ إذَا مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ عِدَّتِهَا لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا حَيْثُ لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا لَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ آخِرَهُمَا مَوْتًا أَصَابَهَا وَجَهِلَتْهُ‏.‏

‏(‏وَلَا تَرِثُ‏)‏ الْأَمَةُ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ شَيْئًا ‏(‏مِنْ الزَّوْجِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ حُرِّيَّتُهَا قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ عُلِمَ بِأَنَّ بَيْنَ مَوْتِ سَيِّدِهَا وَزَوْجِهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ فَأَقَلَّ ‏(‏اعْتَدَّتْ كَحُرَّةٍ لِوَفَاةٍ فَقَطْ‏)‏ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ مَوْتِ الزَّوْجِ فَتَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ مَوْتٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلَا اسْتِبْرَاءَ‏.‏

عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فَقَدْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَأَخِّرَ فَقَدْ مَاتَ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ‏.‏

فصل‏:‏ عدة الحامل

‏(‏وَ‏)‏ اسْتِبْرَاءُ ‏(‏مَنْ تَحِيضُ بِحَيْضَةٍ‏)‏ تَامَّةٍ لِحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً‏}‏ ‏"‏ و‏(‏لَا‏)‏ يَحْصُلُ اسْتِبْرَاءٌ بِ ‏(‏بَقِيَّتِهَا‏)‏ أَيْ الْحَيْضَةِ إذَا مَلَكَهَا حَائِضًا لِلْخَبَرِ ‏(‏وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ‏)‏ أَيْ لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ الْمُسْتَبْرَأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَلَا تَحِيضُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا ‏(‏فَ‏)‏ اسْتِبْرَاؤُهَا ‏(‏بِحَيْضَةٍ‏)‏ نَصًّا لَا شَهْرٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ ‏(‏وَ‏)‏ اسْتِبْرَاءُ ‏(‏آيِسَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَبَالِغَةٍ لَمْ تَحِضْ بِشَهْرٍ‏)‏ لِإِقَامَتِهِ مَقَامَ حَيْضَةٍ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الشُّهُورُ بِاخْتِلَافِ الْحَيْضِ ‏(‏وَإِنْ حَاضَتْ فِيهِ‏)‏ أَيْ الشَّهْرِ ‏(‏فَ‏)‏ اسْتِبْرَاؤُهَا ‏(‏بِحَيْضَةٍ‏)‏ كَالصَّغِيرَةِ إذَا حَاضَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَهُ فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا اسْتِبْرَاءُ ‏(‏مُرْتَفِعٍ حَيْضُهَا وَلَمْ تَدْرِ مَا رَفَعَهُ فَبِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ‏)‏ تِسْعَةٌ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِدَّةِ ‏(‏وَإِنْ عَلِمَتْ‏)‏ مَا رَفَعَ حَيْضَهَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏فَكَحُرَّةٍ‏)‏ فَلَا تَزَالُ فِي اسْتِبْرَاءٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ أَوْ تَصِيرَ آيِسَةً فَتُسْتَبْرَأَ بِشَهْرٍ ‏(‏وَيَحْرُمُ وَطْءٌ مِنْ زَمَنِ اسْتِبْرَاءٍ‏)‏ كَالْوَطْءِ قَبْلَهُ ‏(‏وَلَا يَنْقَطِعُ‏)‏ الِاسْتِبْرَاءُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ الْوَطْءِ فِيهِ ‏(‏فَإِنْ حَمَلَتْ قَبْلَ الْحَيْضَةِ اسْتَبْرَأَتْ بِوَضْعِهِ‏)‏ أَيْ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَمَلَتْ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ الْحَيْضَةِ ‏(‏وَقَدْ مَلَكَهَا حَائِضًا فَكَذَلِكَ‏)‏ أَيْ اسْتَبْرَأَتْ بِوَضْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ حَمَلَتْ ‏(‏فِي حَيْضَةٍ ابْتَدَأَتْهَا عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْمُنْتَقِلِ مِلْكُهَا إلَيْهِ ‏(‏تَحِلُّ‏)‏ لَهُ فِي ‏(‏الْحَالِ‏)‏ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ ‏(‏لِجَعْلِ مَا مَضَى‏)‏ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ إحْبَالِهَا ‏(‏حَيْضَةً‏)‏ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ‏(‏وَتُصَدَّقُ‏)‏ أَمَةٌ ‏(‏فِي حَيْضٍ‏)‏ ادَّعَتْهُ‏.‏

فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ تَطَهُّرِهَا ‏(‏فَلَوْ أَنْكَرَتْهُ‏)‏ أَيْ الْحَيْضَ بِأَنْ قَالَتْ‏:‏ لَمْ أَحِضْ لِتَمْنَعَهُ مِنْ وَطْئِهَا لِعَدَمِ الِاسْتِبْرَاءِ ‏(‏فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَتْنِي بِهِ‏)‏ أَيْ بِأَنَّهَا حَاضَتْ وَقَدْ مَضَى مَا يُمْكِنُ حَيْضُهَا فِيهِ ‏(‏صُدِّقَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَتْ‏)‏ أَمَةٌ ‏(‏مَوْرُوثَةٌ تَحْرِيمَهَا عَلَى وَارِثٍ بِوَطْءِ مُورِثِهِ‏)‏ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ صُدِّقَتْ وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ تَكُنْ مَكَّنَتْهُ قَبْلُ ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَتْ أَمَةٌ ‏(‏مُشْتَرَاةٌ أَنَّ لَهَا زَوْجًا صُدِّقَتْ‏)‏ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا‏.‏

كتاب‏:‏ الرضاع

الرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ لُغَةً‏:‏ مَصُّ لَبَنٍ مِنْ ثَدْيٍ وَشُرْبُهُ‏.‏

وَ‏(‏شَرْعًا‏:‏ مَصُّ لَبَنٍ‏)‏ فِي الْحَوْلَيْنِ ‏(‏ثَابَ‏)‏ أَيْ اجْتَمَعَ ‏(‏عَنْ حَمْلٍ مِنْ ثَدْي امْرَأَةٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِ ‏"‏ مَصُّ ‏"‏ ‏(‏أَوْ شُرْبُهُ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَأَكْلِهِ بَعْدَ تَجْبِينِهِ وَسَعُوطٍ بِهِ وَوَجُورٍ ‏(‏وَيُحَرِّمُ‏)‏ رَضَاعٌ ‏(‏كَنَسَبٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ‏}‏ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ ‏{‏يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ النَّسَبِ‏.‏

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مُحَرِّمٌ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

‏(‏فَمَنْ أَرْضَعَتْ وَلَوْ مُكْرَهَةً‏)‏ عَلَى إرْضَاعِهَا ‏(‏بِلَبَنِ حَمْلٍ لَاحِقٍ بِالْوَاطِئِ‏)‏ نَسَبُهُ ‏(‏طِفْلًا‏)‏ فِي الْحَوْلَيْنِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ‏(‏صَارَا‏)‏ أَيْ الْمُرْضِعَةُ وَالْوَاطِئُ اللَّاحِقُ بِهِ الْحَمْلُ الَّذِي ثَابَ عَنْهُ اللَّبَنُ ‏(‏فِي تَحْرِيمِ نِكَاحٍ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِصَارًا ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏ثُبُوتِ مَحْرَمِيَّةٍ وَ‏)‏ فِي ‏(‏إبَاحَةِ نَظَرٍ وَ‏)‏ إبَاحَةِ ‏(‏خَلْوَةٍ‏)‏ لَا فِي وُجُوبِ نَفَقَةٍ وَإِرْثٍ وَعِتْقٍ وَرَدِّ شَهَادَةٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏أَبَوَيْهِ‏)‏ أَيْ الطِّفْلِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ صَارَ ‏(‏هُوَ‏)‏ أَيْ الطِّفْلُ ‏(‏وَلَدَهُمَا‏)‏ فِيمَا ذَكَرَ ‏(‏وَ‏)‏ صَارَ ‏(‏أَوْلَادُهُ‏)‏ أَيْ الطِّفْلِ ‏(‏وَإِنْ سَفَلُوا أَوْلَادَ وَلَدِهِمَا‏)‏ وَهُوَ الطِّفْلُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ صَارَ ‏(‏أَوْلَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُرْضِعَةِ وَالْوَاطِئِ الْمَذْكُورِ ‏(‏مِنْ الْآخَرِ أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏غَيْرِهِ‏)‏ كَأَنْ تَزَوَّجَتْ الْمُرْضِعَةُ بِغَيْرِهِ فَصَارَ لَهَا مِنْهُ أَوْلَادٌ وَتَزَوَّجَ الْوَاطِئُ بِغَيْرِهَا وَصَارَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ ‏(‏فَالذُّكُورُ مِنْهُمْ يَصِيرُونَ إخْوَتَهُ، وَالْبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ‏.‏

وَ‏)‏ يَصِيرُ ‏(‏آبَاؤُهُمَا‏)‏ أَيْ أَبَا الْمُرْضِعَةِ وَالْوَاطِئِ الْمَذْكُورِ ‏(‏أَجْدَادَهُ‏)‏ أَيْ الطِّفْلِ ‏(‏وَ‏)‏ أُمَّهَاتُهُمَا ‏(‏جَدَّاتِهِ‏.‏

وَ‏)‏ صَارَ ‏(‏أَخَوَاتُهُمَا وَإِخْوَانِهِمَا‏)‏ أَيْ إخْوَةُ الْمُرْضِعَةِ وَأَخَوَاتُهَا وَإِخْوَةُ الْوَاطِئِ وَأَخَوَاتُهُ ‏(‏أَعْمَامَهُ وَأَخْوَالَهُ‏.‏

وَخَالَاتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ وَالْأُبُوَّةِ‏.‏

‏(‏وَلَا تُنْشَرُ حُرْمَةُ‏)‏ رَضَاعٍ ‏(‏إلَى مَنْ بِدَرَجَةِ مُرْتَضِعٍ أَوْ فَوْقَهُ مِنْ أَخٍ وَأُخْتٍ مِنْ نَسَبٍ‏)‏ بَيَانٌ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ‏(‏وَأَبٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ وَعَمَّةٍ وَخَالٍ وَخَالَةٍ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ بَيَانٌ لِمَنْ فَوْقَهُ ‏(‏فَتَحِلُّ مُرْضِعَةٌ لِأَبِي مُرْتَضِعٍ وَأَخِيهِ مِنْ نَسَبٍ‏)‏ إجْمَاعًا ‏(‏وَ‏)‏ تَحِلُّ ‏(‏أُمُّهُ‏)‏ أَيْ الْمُرْتَضِعِ ‏(‏وَأُخْتُهُ مِنْ نَسَبٍ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِنْ رَضَاعٍ‏)‏ إجْمَاعًا ‏(‏كَمَا يَحِلُّ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ ‏(‏أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ إجْمَاعًا‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ حَمْلٍ مِنْ زِنًا‏)‏ طِفْلًا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ حَمْلٍ ‏(‏نَفْيٍ بِلِعَانٍ طِفْلًا‏)‏ فِي الْحَوْلَيْنِ ‏(‏صَارَ وَلَدًا لَهَا‏)‏ فَقَطْ فَتَثْبُتُ الْأُمُومَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْجُدُودَةِ لَهَا وَالْخُؤُولَةِ دُونَ الْأُبُوَّةِ وَفُرُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّسَبِ ‏(‏وَحَرُمَ‏)‏ الطِّفْلُ إنْ كَانَ أُنْثَى ‏(‏عَلَى الْوَاطِئ تَحْرِيمَ مُصَاهَرَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ ‏(‏وَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهِ‏)‏ أَيْ الزَّانِي أَوْ الْمُلَاعِنِ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ‏}‏ ‏"‏ وَلَا نَسَبَ هُنَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَرْضَعَتْ‏)‏ امْرَأَةٌ ‏(‏بِلَبَنِ اثْنَيْنِ وَطِئَاهَا بِشُبْهَةٍ طِفْلًا وَثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا‏)‏ أَيْ الْوَاطِئَيْنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ثَبَتَتْ ‏(‏أُبُوَّةُ أَحَدِهِمَا لِمَوْلُودٍ‏)‏ بِأَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ‏(‏فَالْمُرْتَضِعُ ابْنُهُمَا‏)‏ إنْ ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا ‏(‏أَوْ ابْنُ أَحَدِهِمَا‏)‏ إنْ ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّضِيعِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْمَوْلُودِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا وَلَا أُبُوَّةُ أَحَدِهِمَا لِمَوْلُودٍ ‏(‏بِأَنْ مَاتَ مَوْلُودٌ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ قَبْلَ الْإِلْحَاقِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا ‏(‏أَوْ فَقَدَتْ قَافَةٌ أَوْ نَفَتْهُ‏)‏ الْقَافَةُ ‏(‏عَنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْوَاطِئَيْنِ ‏(‏أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ‏)‏ عَلَى الْقَافَةِ ‏(‏ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ‏)‏ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَضِعِ ‏(‏فِي حَقِّهِمَا‏)‏ أَيْ الْوَاطِئَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَمْ تَحِلَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا لِأَوْلَادِهِمَا وَآبَائِهِمَا وَنَحْوِهِمَا تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا حَرُمَ عَلَيْهِ بَنَاتُهُمَا وَأُمَّهَاتُهُمَا وَأَخَوَاتُهُمَا وَنَحْوَهُنَّ لِذَلِكَ‏.‏

وَظَاهِرُهُ لَا تَثْبُتُ الْمَحْرَمِيَّةَ وَلَا إبَاحَةُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ لِأَوْلَادِهِمَا وَنَحْوِهِمْ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ثَابَ لَبَنٌ لِمَنْ‏)‏ أَيْ امْرَأَةٍ ‏(‏لَمْ تَحْمِلْ‏)‏ قَبْلَ أَنْ ثَابَ لَبَنُهَا ‏(‏وَلَوْ حَمَلَ مِثْلُهَا لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ‏)‏ نَصًّا فِي لَبَنِ الْبِكْرِ ‏(‏كَلَبَنِ رَجُلٍ وَكَذَا لَبَنُ خُنْثَى مُشْكِلٍ‏.‏

وَ‏)‏ لَبَنُ ‏(‏بَهِيمَةٍ‏)‏ فَلَا يَنْشُرُ الْمَحْرَمِيَّةَ بِلَا نِزَاعٍ فِي لَبَنِ الْبَهِيمَةِ‏.‏

فَلَوْ ارْتَضَعَ طِفْلٌ وَطِفْلَةٌ عَلَى نَحْوِ شَاةٍ لَمْ يَصِيرَا أَخَوَيْنِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْأُخُوَّةِ فَرْعُ تَحْرِيمِ الْأُمُومَةِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْمَوْلُودِ الْآدَمِيِّ‏.‏

‏(‏وَمَنْ تَزَوَّجَ‏)‏ امْرَأَةً ذَاتَ لَبَنٍ ‏(‏أَوْ اشْتَرَى‏)‏ أَمَةً ‏(‏ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ قَبْلَهُ‏)‏ فَوَطِئَهَا ‏(‏فَزَادَ‏)‏ لَبَنُهَا ‏(‏بِوَطْئِهِ أَوْ حَمَلَتْ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏وَلَمْ يَزِدْ‏)‏ لَبَنُهَا ‏(‏أَوْ زَادَ‏)‏ لَبَنُهَا ‏(‏قَبْلَ أَوَانِهِ فَ‏)‏ اللَّبَنُ ‏(‏لِلْأَوَّلِ‏)‏ لِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مَا يَنْقُلُهُ عَنْهُ كَصَاحِبِ الْيَدِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ زَادَ لَبَنُهَا ‏(‏فِي أَوَانِهِ‏)‏ بَعْدَ حَمْلِهَا مِنْ الثَّانِي فَلَهُمَا؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَمْلَ ظَاهِرُهَا أَنَّهَا مِنْ الثَّانِي وَبَقَاءُ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي كَوْنَ أَصْلِهِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا ‏(‏وَلَوْ انْقَطَعَ ثُمَّ ثَابَ‏)‏ قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ فَعَوْدُهُ قَبْلَ الْوَضْعِ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّبَنُ الَّذِي اُرْتُضِعَ لَكِنَّهُ ثَابَ لِلْحَمْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا ‏(‏أَوْ وَلَدَتْ‏)‏ مِنْ الثَّانِي ‏(‏فَلَمْ يَزِدْ‏)‏ لَبَنُهَا ‏(‏وَلَمْ يَنْقُصْ فَ‏)‏ اللَّبَنُ ‏(‏لَهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى حَالِهِ أَوْجَبَ بَقَاءَهُ عَلَى كَوْنِهِ لِلْأَوَّلِ، وَحَاجَةُ الْوَلَدِ الثَّانِي إلَيْهِ أَوْجَبَتْ اشْتِرَاكَهُمَا فِيهِ ‏(‏فَيَصِيرُ مُرْتَضِعُهُ ابْنًا لَهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا ‏(‏وَإِنْ زَادَ‏)‏ لَبَنُهَا ‏(‏بَعْدَ وَضْعٍ فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِلثَّانِي وَحْدَهُ‏)‏ لِدَلَالَةِ زِيَادَتِهِ إذًا عَلَى أَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمَوْلُودِ فَامْتَنَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهِ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شرطا الحرمة بالرضاع‏]‏

وَلِلْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ شَرْطَانِ‏:‏ ‏(‏أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْتَضِعَ‏)‏ الطِّفْلُ ‏(‏فِي الْعَامَيْنِ، فَلَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا بِلَحْظَةٍ لَمْ تَثْبُتْ‏)‏ الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ‏}‏ فَجَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ حَوْلَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلرَّضَاعَةِ بَعْدَهُمَا وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ ‏{‏فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ‏}‏ ‏"‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ‏:‏ يَعْنِي فِي حَالِ الْحَاجَةِ إلَى الْغِذَاءِ وَاللَّبَنِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ ‏{‏لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ‏}‏ ‏"‏ وَكَانَ قِبَلَ الْفِطَامِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الثَّانِي‏:‏ أَنْ يَرْتَضِعَ‏)‏ الطِّفْلُ ‏(‏خَمْسَ رَضَعَاتٍ‏)‏ فَأَكْثَرَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَصَارَ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَالْآيَةُ فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ وَبَيَّنَتْ الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ‏.‏

وَهَذَا الْخَبَرُ يُخَصِّصُ عُمُومَ حَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ‏}‏ ‏"‏‏.‏

‏(‏وَمَتَى امْتَصَّ‏)‏ طِفْلٌ ثَدْيًا ‏(‏ثُمَّ قَطَعَهُ‏)‏ أَيْ الْمَصَّ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ قَطْعُهُ لَهُ ‏(‏قَهْرًا أَوْ‏)‏ كَانَ قَطْعُهُ لَهُ ‏(‏لِتَنَفُّسٍ أَوْ‏)‏ كَانَ قَطْعُهُ لِ ‏(‏مُلْهٍ‏)‏ أَيْ مَا يُلْهِيهِ عَنْ الْمَصِّ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ قَطْعُهُ لَهُ ‏(‏لِانْتِقَالٍ‏)‏ مِنْ ثَدْيٍ ‏(‏إلَى ثَدْيٍ آخَرَ أَوْ‏)‏ مِنْ مُرْضِعَةٍ إلَى ‏(‏مُرْضِعَةٍ أُخْرَى فَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏رَضْعَةٌ‏)‏ تُحْسَبُ مِنْ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّهَا مَرَّةٌ مِنْ الرَّضَاعِ ‏(‏ثُمَّ إنْ عَادَ‏)‏ الطِّفْلُ ‏(‏وَلَوْ قَرِيبًا‏)‏ بِأَنْ قَرُبَ الزَّمَنُ بَيْنَ الْمَصَّةِ الْأُولَى وَالْعَوْدِ، فَهُمَا رَضْعَتَانِ ‏(‏ثِنْتَانِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَصَّةَ الْأُولَى زَالَ حُكْمُهَا بِتَرْكِ الِارْتِضَاعِ‏.‏

فَإِذَا عَادَ فَامْتَصَّ فَهِيَ غَيْرُ الْأُولَى ‏(‏وَسَعُوطٌ فِي أَنْفٍ وَوَجُورٌ فِي فَمٍ كَرَضَاعٍ‏)‏ فِي تَحْرِيمٍ‏.‏

لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا ‏{‏إلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ‏}‏ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِوُصُولِ اللَّبَنِ بِذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ‏.‏

كَوُصُولِهِ بِالِارْتِضَاعِ وَحُصُولِ إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ بِهِ كَمَا يَتَحَصَّلُ بِالرَّضَاعِ، وَالْأَنْفُ سَبِيلٌ لِفِطْرِ الصَّائِمِ فَكَانَ سَبِيلًا لِلتَّحْرِيمِ كَالرَّضَاعِ بِالْفَمِ‏.‏

‏(‏وَيُحَرِّمُ مَا جَبَنَ‏)‏ مِنْ لَبَنٍ ثَابَ عَنْ حَمْلٍ ثُمَّ أُطْعِمَ لِلطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ مِنْ حَلْقٍ يَحْصُلُ بِهِ انْتِشَارُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ‏.‏

فَحَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا لَوْ شَرِبَهُ ‏(‏أَوْ شِيبَ‏)‏ أَيْ خُلِطَ بِغَيْرِهِ ‏[‏ وَصِفَاتُهُ ‏]‏ أَيْ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ ‏[‏ بَاقِيَةٌ ‏]‏ فَيُحَرِّمُ كَالْخَالِصِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ، وَلِبَقَاءِ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ‏.‏

فَإِنْ غَلَبَ مَا خَالَطَهُ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبُتُ بِهِ اللَّحْمُ وَلَا يُنْشِرُ الْعَظْمُ ‏(‏أَوْ حُلِبَ مِنْ مَيْتَةٍ‏)‏ فَيُحَرِّمُ كَلَبَنِ الْحَيَّةِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي إنْبَاتِ اللَّحْمِ وانتشاز الْعَظْمِ ‏(‏وَيَحْنَثُ بِهِ‏)‏ أَيْ شُرْبِ لَبَنٍ مَشُوبٍ مَعَ بَقَاءِ صِفَاتِهِ وَشُرْبِ لَبَنِ مَيْتَةٍ ‏(‏مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَبَنٌ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ تُحَرِّمُ ‏(‏حُقْنَةُ‏)‏ طِفْلٍ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ وَلَوْ خَمْسَ مَرَّاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَضَاعٍ، وَلَا يَحْصُلُ بِهَا تَغَذٍّ ‏(‏وَلَا‏)‏ أَثَرَ ‏(‏لِ‏)‏ لَبَنٍ ‏(‏وَاصِلٍ جَوْفًا لَا يُغَذِّي‏)‏ لِوُصُولِهِ فِيهِ ‏(‏كَمَثَانَةٍ وَذَكَرٍ‏)‏ وَجَائِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْشِرُ الْعَظْمَ وَلَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَفَارَقَ فِطْرَ الصَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ‏.‏

‏(‏وَمَنْ أُرْضِعَ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ‏)‏ أَوْ أَرْبَعُ زَوْجَاتِهِ وَأُمُّ وَلَدِهِ أَوْ ثَلَاثُ زَوْجَاتِهِ وَإِمَاءُ وَلَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ‏(‏بِلَبَنِ زَوْجَةٍ لَهُ‏)‏ أَيْ صَاحِبِ اللَّبَنِ ‏(‏صُغْرَى‏)‏ لَمْ يَتِمَّ لَهَا عَامَانِ أَرْضَعَتْهَا ‏(‏كُلُّ وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَوْ مِنْهُنَّ، وَمِنْ زَوْجَاتِهِ ‏(‏رَضْعَةً‏)‏ ‏(‏حَرُمَتْ‏)‏ عَلَى زَوْجِهَا أَبَدًا ‏(‏لِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ رَضَعَاتٍ مِنْ لَبَنِهِ‏.‏

أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْضَعَتْهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ الْخَمْسَ ‏(‏وَلَا‏)‏ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ ‏(‏أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ‏)‏ إذْ لَمْ تُرْضِعْهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَلَمْ تَكُنْ أُمًّا لِزَوْجَتِهِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَاتُ بَنَاتِهِ‏)‏ أَيْ رَجُلٍ وَاحِدٍ ‏(‏أَوْ بَنَاتِ زَوْجَتِهِ‏)‏ وَأَرْضَعْنَ طِفْلًا أَوْ طِفْلَةَ زَوْجَةٍ لِأَبِيهِنَّ أَوَلَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً ‏(‏فَلَا أُمُومَةَ‏)‏ لِوَاحِدَةٍ مِنْ الْمُرْضِعَاتِ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْ خَمْسًا ‏(‏وَلَا يَصِيرُ أَبُو الْمُرْضِعَاتِ جَدًّا‏)‏ لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ‏.‏

لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَصِيرُ ‏(‏زَوْجَتُهُ‏)‏ أُمَّ الْمُرْضِعَاتِ ‏(‏جَدَّةً‏)‏ لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَصِيرُ ‏(‏إخْوَةُ الْمُرْضِعَاتِ أَخْوَالًا‏)‏ لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةَ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَصِيرُ ‏(‏أَخَوَاتُهُنَّ‏)‏ أَيْ الْمُرْضِعَاتِ ‏(‏خَالَاتٍ‏)‏ لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ فُرُوعُ الْأُمُومَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ ‏(‏وَمَنْ‏)‏ أَيْ رَجُلٌ ‏(‏أَرْضَعَتْ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجَةُ ابْنِهِ طِفْلَةً‏)‏ أَيْ أَرْضَعَتْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ‏(‏رَضْعَةً رَضْعَةً لَمْ تُحَرَّمْ‏)‏ الطِّفْلَةُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ لِعَدَمِ ثُبُوتِ أُمُومَةِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ‏.‏

‏(‏وَمَنْ‏)‏ ‏(‏أَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا مِنْ زَوْجٍ طِفْلًا ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ انْقَطَعَ‏)‏ لَبَنُهَا ‏(‏ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ‏)‏ أَيْ الطِّفْلَ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ أَوَّلًا ‏(‏بِلَبَنِ زَوْجٍ آخَرَ‏)‏ غَيْرِ الْأَوَّلِ ‏(‏رَضْعَتَيْنِ‏)‏ فِي الْعَامَيْنِ ‏(‏ثَبَتَتْ الْأُمُومَةُ‏)‏ لِإِرْضَاعِهَا لَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ‏(‏لَا الْأُبُوَّةُ‏)‏ فَلَمْ تَثْبُتْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُ الرَّضَعَاتِ مِنْ لَبَنِهِ ‏(‏وَلَا يَحِلُّ مُرْتَضِعٌ لَوْ كَانَ أُنْثَى لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ قَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ بِرَضِيعٍ حُرٍّ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ خَوْفُ الْعَنَتِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطِّفْلِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ لِلْخِدْمَةِ وَلَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ ‏(‏فَلَوْ أَرْضَعَتْهُ‏)‏ أَيْ الْحُرَّ الصَّغِيرَ ‏(‏بِلَبَنِهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ ‏(‏لَمْ تَحْرُمْ عَلَى السَّيِّدِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ حَقِيقَةً ‏(‏فَإِنْ زَوَّجَهَا بِرَقِيقٍ رَضِيعٍ أَوْ حُرٍّ رَضِيعٍ عَادِمِ الطَّوْلِ خَائِفِ عَنَتِ الْعُزُوبَةِ‏)‏ لِلْخِدْمَةِ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ سَيِّدِهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا وَيَأْتِي‏.‏

فصل‏:‏ تزوج ذات لبن بغيره ولم يدخل بها

وَمَنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وتَزَوَّجَ ‏(‏صَغِيرَةً فَأَكْثَرَ فَأَرْضَعَتْ‏)‏ ذَاتُ لَبَنٍ ‏(‏وَهِيَ زَوْجَةٌ أَوْ بَعْدَ إبَانَةِ‏)‏ زَوْجِهَا لَهَا ‏(‏صَغِيرَةً‏)‏ مِمَّنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي الْعَامَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ‏.‏

‏(‏حُرِّمَتْ‏)‏ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ ‏(‏أَبَدًا‏)‏؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ‏.‏

فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ‏}‏ ‏(‏وَبَقِيَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا‏.‏

وَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ تَمَامِ الرَّضَاعِ‏.‏

فَلَمْ يَجْتَمِعَا كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَى أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ وَأَيْضًا الْجَمْعُ طَرَأَ عَلَى نِكَاحِ الْأُمِّ فَاخْتَصَّ الْفَسْخُ بِنِكَاحِ الْأُمِّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ ‏(‏حَتَّى تَرْضَعَ‏)‏ الْكَبِيرَةُ ‏(‏ثَانِيَةً‏)‏ مِنْ الزَّوْجَاتِ الْأَصَاغِرِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ‏(‏فَيَنْفَسِخَ نِكَاحُهُمَا‏)‏ أَيْ الصَّغِيرَتَيْنِ لِاجْتِمَاعِ أُخْتَيْنِ فِي نِكَاحِهِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْأُخْرَى فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا ‏(‏كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا‏)‏ أَيْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ أَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَدْيٍ أَوْ حَلَبَ مَاءَيْنِ وَسَقَى لَهُمَا مَعًا ‏(‏وَإِنْ أَرْضَعَتْ‏)‏ الْكَبِيرَةُ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ مِنْ زَوْجَاتِهِ الْأَصَاغِرِ ‏(‏مُفْرَدَاتٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ مَعًا وَالثَّالِثَةُ مُنْفَرِدَةً انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَيَيْنِ‏)‏ لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَبَقِيَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ‏)‏ لِانْفِسَاخِ نِكَاحِ الْأُولَيَيْنِ قَبْلَ إرْضَاعِهِمَا فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا حِينَ إرْضَاعِهَا أَحَدٌ ‏(‏وَإِنْ أَرْضَعَتْ‏)‏ الْكُبْرَى زَوْجَاتِهِ الْأَصَاغِرَ ‏(‏الثَّلَاثَ مَعًا بِأَنْ شَرِبْنَهُ مَحْلُوبًا مَعًا مِنْ أَوْعِيَةٍ‏)‏ أَوْ أَرْضَعَتْ ‏(‏إحْدَاهُنَّ مُنْفَرِدَةً ثُمَّ‏)‏ أَرْضَعَتْ ‏(‏ثِنْتَيْنِ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ‏)‏ لِاجْتِمَاعِهِنَّ فِي نِكَاحِهِ أَخَوَاتٍ ‏(‏ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ‏)‏ وَاحِدَةً ‏(‏مِنْ الْأَصَاغِرِ‏)‏؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ تَحْرِيمُ جَمْعٍ لَا تَأْبِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ‏.‏

بِأُمِّهِنَّ ‏(‏وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى حُرِّمَ الْكُلُّ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏عَلَى الْأَبَدِ‏)‏؛ لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُ دَخَلَ بِأُمِّهِنَّ و‏(‏لَا‏)‏ تَحْرُمُ ‏(‏الْأَصَاغِرُ‏)‏ عَلَى الْأَبَدِ ‏(‏إنْ ارْتَضَعْنَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ بِرَبَائِبَ لَكِنْ مَتَى اجْتَمَعَ فِي نِكَاحِهِ أُخْتَانِ فَأَكْثَرَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ‏(‏وَمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ امْرَأَةٍ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ وَمِثْلُهَا مِنْ الرَّضَاعِ ‏(‏كَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَأُخْتِهِ وَ‏)‏ بِنْتِ أَخِيهِ وَبِنْتِ أُخْتِهِ أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ ‏(‏كَرَبِيبَتِهِ‏)‏ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا ‏(‏إذَا أَرْضَعَتْ طِفْلَةً‏)‏ رَضَاعًا مُحَرِّمًا ‏(‏حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ أَبَدًا‏)‏ كَبِنْتِهَا مِنْ نَسَبٍ ‏(‏وَمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ رَجُلٍ كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ إذَا أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ‏)‏ أَوْ أُمُّهُ أَوْ مَوْطُوءَته بِشُبْهَةٍ ‏(‏بِلَبَنِهِ طِفْلَةً‏)‏ رَضَاعًا مُحَرِّمًا ‏(‏حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ‏)‏ أَبَدًا لِحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ‏}‏ ‏"‏‏.‏

‏(‏وَيَنْفَسِخُ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ ‏(‏النِّكَاحُ إنْ كَانَتْ‏)‏ الطِّفْلَةُ ‏(‏زَوْجَةً‏)‏ فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِ غَيْرِهِ لَمْ تَحْرُمْ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ زَوْجِهَا وَإِنْ أَرْضَعَتْ عَمَّتُهُ أَوْ خَالَتُهُ بِنْتًا لَمْ تُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ خَالَتِهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا إحْدَاهُمَا رَضَاعًا مُحَرِّمًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ أَبَدًا‏.‏

‏(‏وَمَنْ لِامْرَأَتِهِ ثَلَاثُ بَنَاتٍ مِنْ غَيْرِهِ فَأَرْضَعْنَ‏)‏ أَيْ بَنَاتُهَا ‏(‏ثَلَاثَ نِسْوَةٍ لَهُ‏)‏ أَيْ زَوْجِ أُمِّهِنَّ ‏(‏كُلُّ وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْ رَبَائِبِهِ أَرْضَعَتْ ‏(‏وَاحِدَةً إرْضَاعًا كَامِلًا‏)‏ فِي الْعَامَيْنِ ‏(‏وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى‏)‏ أُمِّ الرَّبَائِبِ ‏(‏حُرِّمَتْ عَلَيْهِ‏)‏ الْكُبْرَى أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ جَدَّاتِ نِسَائِهِ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ‏}‏ ‏(‏وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّغَارِ‏)‏ الْمُرْتَضِعَاتِ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَلَسْنَ أَخَوَاتٍ بَلْ بَنَاتِ خَالَاتٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَرْضَعْنَ‏)‏ أَيْ ثَلَاثُ بَنَاتٍ زَوْجَتَهُ ‏(‏وَاحِدَةً‏)‏ مِنْ نِسَائِهِ ‏(‏كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ‏)‏ أَرْضَعَتْهَا ‏(‏رَضْعَتَيْنِ حُرِّمَتْ الْكُبْرَى‏)‏؛ لِأَنَّهَا جَدَّةُ امْرَأَتِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَةَ أُرْضِعَتْ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي نَشَرَ الْحُرْمَةَ إلَيْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُ مِنْ بِنْتٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِجَمْعٍ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَمْ تَثْبُتْ وَالْجُدُودَةُ فَرْعُهَا وَصَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ‏.‏

‏(‏وَإِذَا طَلَّقَ‏)‏ رَجُلٌ ‏(‏زَوْجَةً لَهَا لَبَنٌ مِنْهُ فَتَزَوَّجَتْ بِصَبِيٍّ‏)‏ لَمْ يَتِمَّ لَهُ حَوْلَانِ ‏(‏فَأَرْضَعَتْهُ‏)‏ أَيْ الصَّبِيَّ ‏(‏بِلَبَنِهِ‏)‏ أَيْ الْمُطَلِّقِ ‏(‏إرْضَاعًا كَامِلًا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا‏)‏ مِنْ الصَّبِيِّ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ ‏(‏وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَ‏)‏ حُرِّمَتْ ‏(‏عَلَى‏)‏ الزَّوْجِ ‏(‏الْأَوَّلِ أَبَدًا‏)‏؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ ‏(‏وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الصَّبِيَّ أَوَّلًا‏)‏ أَيْ قَبْلَ الرَّجُلِ ‏(‏ثُمَّ فَسَخْت نِكَاحَهُ‏)‏ أَيْ الصَّبِيِّ ‏(‏لِمُقْتَضٍ‏)‏ لِفَسْخِهِ كَإِعْسَارِهِ ‏(‏ثُمَّ تَزَوَّجَتْ‏)‏ رَجُلًا ‏(‏كَبِيرًا فَصَارَ لَهَا‏)‏ بِحَمْلِهَا ‏(‏مِنْهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ الصَّبِيَّ‏)‏ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي هِيَ زَوْجَتُهُ فَلِصَيْرُورَتِهَا مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ‏.‏

وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهَا أُمُّهُ ‏(‏أَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ أَمَتَهٌ بِعَبْدٍ لَهُ رَضِيعٍ ثُمَّ عَتَقَتْ‏)‏ الْأَمَةُ ‏(‏فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ‏)‏ أَيْ زَوْجِهَا الْعَبْدِ الرَّضِيعِ ‏(‏ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِمَنْ أَوْلَدَهَا فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ‏)‏ فِي الْعَامَيْنِ ‏(‏حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من أفسدت نكاح نفسها برضاع قبل الدخول‏]‏

وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً بِأَنْ تَدِبَّ‏)‏ الطِّفْلَةُ ‏(‏فَتَرْتَضِعَ‏)‏ رَضَاعًا مُحَرِّمًا لَهَا عَلَى زَوْجِهَا ‏(‏مِنْ‏)‏ امْرَأَةٍ ‏(‏نَائِمَةٍ أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏مُغْمًى عَلَيْهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجِ فِي الْفَسْخِ فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا يَسْقُطُ‏)‏ الْمَهْرُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الدُّخُولِ بِوَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُقَرِّرُهُ لِتَقَرُّرِهِ ‏(‏وَإِنْ أَفْسَدَهُ‏)‏ أَيْ النِّكَاحَ ‏(‏غَيْرُهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجَ ‏(‏قَبْلَ دُخُولٍ نِصْفُهُ‏)‏ أَيْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهَا فِي الْفَسْخِ أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا ‏(‏وَ‏)‏ يَلْزَمُهُ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الدُّخُولِ ‏(‏كُلُّهُ‏)‏ أَيْ الْمَهْرِ لِتَقَرُّرِهِ ‏(‏وَيَرْجِعُ‏)‏ زَوْجٌ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ مَهْرٍ أَوْ نِصْفٍ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ فِيمَا إذَا أَفْسَدَ الْغَيْرُ النِّكَاحَ قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ ‏(‏عَلَى مُفْسِدٍ‏)‏ لِنِكَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ أَغْرَمَهُ الْمَالَ الَّذِي بَذَلَهُ فِي نَظِيرِ الْبُضْعِ بِإِتْلَافِهِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْهُ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا ‏(‏وَلَهَا‏)‏ أَيْ الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا بِالرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِهَا ‏(‏الْأَخْذُ مِنْ الْمُفْسِدِ‏)‏ لِنِكَاحِهَا مَا وَجَبَ لَهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَيُوَزَّعُ‏)‏ مَا لَزِمَ زَوْجًا ‏(‏مَعَ تَعَدُّدِ مُفْسِدٍ‏)‏ لِنِكَاحٍ ‏(‏عَلَى‏)‏ عَدَدِ ‏(‏رَضَعَاتِهِنَّ الْمُحَرِّمَةِ لَا عَلَى‏)‏ عَدَدِ ‏(‏رُءُوسِهِنَّ‏)‏ أَيْ الْمُرْضِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ اشْتَرَكْنَ فِيهِ فَلَزِمَهُنَّ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلٌّ مِنْهُنَّ كَإِتْلَافِهِنَّ عَيْنًا مُتَفَاوِتَاتٍ فِيهَا ‏(‏فَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى‏)‏ رَضَاعًا مُحَرِّمًا ‏(‏وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا‏)‏ بِأَنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى ‏(‏فَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى‏)‏ لِإِفْسَادِهَا نِكَاحَهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا ‏(‏وَلَمْ يَسْقُطْ مَهْرُ الْكُبْرَى‏)‏ لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَتْ الصُّغْرَى دَبَّتْ‏)‏ إلَى الْكُبْرَى ‏(‏فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا‏)‏ خَمْسًا ‏(‏وَهِيَ نَائِمَةٌ‏)‏ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا ‏(‏فَلَا مَهْرَ لِلصُّغْرَى‏)‏ لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا ‏(‏وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا‏)‏ أَيْ الصُّغْرَى أَيْ فِي مَالِهَا ‏(‏بِمَهْرِ الْكُبْرَى‏)‏ كُلِّهِ ‏(‏إنْ دَخَلَ بِهَا‏)‏ أَيْ الْكُبْرَى لِمَا تَقَدَّمَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكُبْرَى ‏(‏فَبِنِصْفِهِ‏)‏ أَيْ مَهْرِ الْكُبْرَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصُّغْرَى؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا تَحْرُمُ الصُّغْرَى حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى وَإِنْ ارْتَضَعَتْ الصُّغْرَى مِنْ الْكُبْرَى وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا رَضْعَتَيْنِ وَلَمَّا انْتَهَتْ أَرْضَعَتْهَا أَيْضًا ثَلَاثًا قَسَّطَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ فِعْلِهِمَا لِحُصُولِ الْفَسَادِ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْكَبِيرَةِ وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَعَلَيْهِ خُمْسُ مَهْرِهَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ فَأَرْضَعْنَ لَهُ زَوْجَةً صُغْرَى‏)‏ أَرْضَعَتْهَا ‏(‏كُلُّ وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْهُنَّ ‏(‏رَضْعَتَيْنِ لَمْ تَحْرُمْ الْمُرْضِعَاتُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا أُمُومَةَ لِإِحْدَاهُنَّ عَلَيْهَا ‏(‏حُرِّمَتْ الصُّغْرَى‏)‏ عَلَيْهِ أَبَدًا لِأَنَّهَا بِنْتُهُ لِارْتِضَاعِهَا مِنْ لَبَنِهِ خَمْسًا ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏نِصْفُ مَهْرِهَا‏)‏ أَيْ الصُّغْرَى ‏(‏يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِنَّ‏)‏ أَيْ نِسَائِهِ الثَّلَاثِ ‏(‏أَخْمَاسًا‏)‏؛ لِأَنَّ الرَّضَعَاتِ الْمُحَرِّمَةَ خَمْسٌ ‏(‏خُمْسَاهُ عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْ مَرَّتَيْنِ‏)‏ أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُرْضِعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ خُمْسَا النِّصْفِ لِوُجُودِ رَضْعَتَيْنِ مُحَرِّمَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏وَخُمْسُهُ‏)‏ أَيْ النِّصْفِ ‏(‏عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْ مَرَّةً‏)‏ وَهِيَ الثَّالِثَةُ لِحُصُولِ التَّحْرِيمِ بِإِرْضَاعِهَا مَرَّةً؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ الْخَمْسِ فَلَا أَثَرَ لِلسَّادِسَةِ‏.‏

فصل‏:‏ شك الزوج في وجود رضاع

وَإِنْ شَكَّ فِي وُجُودِ رَضَاعٍ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ شَكَّ فِي ‏(‏عَدَدِهِ‏)‏ أَيْ الرَّضَاعِ ‏(‏بَنَى عَلَى الْيَقِينِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحِلِّ‏.‏

وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فِي الْعَامَيْنِ ‏(‏وَإِنْ شَهِدَتْ بِهِ‏)‏ أَيْ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ ‏(‏امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ ثَبَتَ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ بِشَهَادَتِهَا مُتَبَرِّعَةً بِالرَّضَاعِ كَانَتْ أَوْ بِأُجْرَةٍ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ‏"‏ ‏{‏تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا‏:‏ فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ‏؟‏‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ ‏"‏ ‏{‏فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْتُ‏:‏ إنَّهَا كَاذِبَةٌ فَقَالَ‏:‏ فَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْكُمَا‏؟‏ خَلِّ سَبِيلَهَا‏}‏‏.‏ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ كَانَتْ الْقُضَاةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَكَالْوِلَادَةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ تَزَوَّجَ‏)‏ امْرَأَةً ‏(‏ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيَ أُخْتِي فِي الرَّضَاعِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ حُكْمًا‏)‏ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ‏.‏

كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبَانَهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ انْفَسَخَ أَيْضًا ‏(‏فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ صَادِقًا‏)‏ أَيْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ صَادِقًا ‏(‏فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ‏)‏ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ كَذِبَهُ لَا يُحَرِّمُهَا، وَالْمُحَرِّمُ حَقِيقَةً الرَّضَاعُ لَا الْقَوْلُ ‏(‏وَلَهَا‏)‏ أَيْ الَّتِي أَقَرَّ زَوْجُهَا أَنَّهَا أُخْتُهُ ‏(‏الْمَهْرُ‏)‏ إنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّتِهَا ‏(‏بَعْدَ الدُّخُولِ‏)‏ بِهَا ‏(‏وَلَوْ صَدَّقَتْهُ‏)‏ أَنَّهُ أَخُوهَا بِمَا نَالَ مِنْهَا ‏(‏مَا لَمْ تُطَاوِعْهُ‏)‏ الْحُرَّةُ عَلَى الْوَطْءِ ‏(‏عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ‏)‏ فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَنْ زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ ‏(‏وَيَسْقُطُ‏)‏ مَهْرُهَا إنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّتِهَا ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ الدُّخُولِ ‏(‏إنْ صَدَّقَتْهُ‏)‏ وَهِيَ حُرَّةٌ عَلَى إقْرَارِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ أَكَذَبَتْهُ فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَتْ هِيَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ هُوَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ ‏(‏وَأَكْذَبَهَا فَهِيَ زَوْجَتُهُ حُكْمًا‏)‏ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِإِقْرَارِهَا بِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ وَبَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنْ أَقَرَّتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَطَاوَعَتْهُ فِي الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ لِإِقْرَارِهَا بِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ وَإِنْ أَنْكَرَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ عَلَى زَعْمِهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ظَاهِرًا فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِنْ عَلِمَتْ مَا أَقَرَّتْ بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا مُسَاكَنَتُهُ وَلَا تَمْكِينُهُ مِنْ وَطْئِهَا‏.‏

وَعَلَيْهَا أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ وَتَفْتَدِيَ بِمَا أَمْكَنَهَا؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ لَهَا زِنًا فَعَلَيْهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهَا كَمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَقَلَّ الْمَهْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ عَنْ زَوْجَتِهِ ‏(‏هِيَ ابْنَتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ احْتِمَالَ كَوْنِهَا بِنْتَهُ كَأَنْ كَانَتْ قَدْرَهُ فِي السِّنِّ أَوْ أَكْبَرَ ‏(‏لَمْ تَحْرُمْ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏لِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ‏)‏ بِعَدَمِ احْتِمَالِ صِدْقِهِ ‏(‏وَإِنْ اُحْتُمِلَ‏)‏ صِدْقُهُ فِي أَنَّهَا ابْنَتُهُ بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ ‏(‏فَكَمَا لَوْ قَالَ هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ‏)‏ عَلَى مَا مَرَّ مُفَصَّلًا ‏(‏وَلَوْ ادَّعَى‏)‏ مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمَا بِمَا يُؤَاخَذُ بِهِ ‏(‏بَعْدَ ذَلِكَ خَطَأً لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقٍّ عَلَيْهِ ‏(‏كَقَوْلِهِ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ هِيَ أُخْتِي ‏(‏لِأَمَتِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ‏)‏ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ‏(‏وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ أَحَدُ اثْنَيْنِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ‏(‏ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ‏)‏ بِأَنْ قَالَ هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ قَالَتْ هُوَ أَخِي مِنْهُ ثُمَّ قَالَ أَوْ قَالَتْ كَذَبْت ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ‏)‏ عَنْ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ‏(‏ظَاهِرًا‏)‏ فَلَا يُمَكَّنَانِ مِنْ النِّكَاحِ وَإِنْ تَنَاكَحَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأَنْكَرَ وَاعْتَرَفَ بِالْبَيْنُونَةِ فَلَا يُمَكَّنَانِ مِنْ النِّكَاحِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ تَنَاكَحَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ ادَّعَى أُخُوَّةَ أَجْنَبِيَّةٍ‏)‏ غَيْرِ زَوْجَتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏بُنُوَّتَهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَكَذَّبَتْهُ قُبِلَتْ شَهَادَةُ أُمِّهَا‏)‏ مِنْ نَسَبٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ شَهَادَةُ ‏(‏بِنْتِهَا مِنْ نَسَبٍ بِذَلِكَ‏)‏ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مَرْضِيَّةً وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا و‏(‏لَا‏)‏ تُقْبَلُ شَهَادَةُ ‏(‏أُمِّهِ وَلَا‏)‏ شَهَادَةُ ‏(‏بِنْتِهِ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ عَلَيْهَا كَسَائِرِ شَهَادَاتِ الْأَصْلِ وَالْفُرُوعِ لِوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ هِيَ‏)‏ بِأَنْ قَالَتْ فُلَانٌ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أَبِي أَوْ ابْنِي مِنْهُ وَسِنُّهَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ‏(‏وَكَذَّبَهَا‏)‏ فُلَانٌ ‏(‏فَبِالْعَكْسِ‏)‏ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ مِنْ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَا أُمِّهَا وَبِنْتِهَا لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَلَوْ ادَّعَتْ أَمَةٌ أُخُوَّةَ‏)‏ سَيِّدِهَا لَهَا ‏(‏بَعْدَ وَطْئِهِ‏)‏ لَهَا مُطَاوَعَةً ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ قَوْلُهَا مُطْلَقًا لِدَلَالَةِ تَمْكِينِهَا عَلَى كَذِبِهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ ادَّعَتْ أُخُوَّةَ سَيِّدِهَا ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ قَبْلَ وَطْئِهِ لَهَا مُطَاوَعَةً ‏(‏يُقْبَلُ‏)‏ قَوْلُهَا ‏(‏فِي تَحْرِيمِ وَطْءٍ‏)‏ كَدَعْوَاهَا أَنَّهَا مُزَوَّجَةٌ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا و‏(‏لَا‏)‏ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ‏(‏ثُبُوتِ عِتْقٍ‏)‏ لِدَعْوَاهَا زَوَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَعْتَقَنِي‏.‏

‏(‏وَكُرِهَ اسْتِرْضَاعُ فَاجِرَةٍ وَمُشْرِكَةٍ وَحَمْقَاءَ وَسَيِّئَةِ الْخُلُقِ‏)‏؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كُرِهَ اسْتِرْضَاعُ ‏(‏جَذْمَاءَ وَبَرْصَاءَ‏)‏ قُلْتُ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُخَافُ تَعَدِّيهِ‏.‏ وَفِي الْمُحَرَّرِ وَبَهِيمَةٍ‏.‏

وَفِي التَّرْغِيبِ وَعَمْيَاءَ‏.‏ وَفِي الْإِقْنَاعِ وَزِنْجِيَّةٍ‏.‏